بقلم: د. محمود خليل
الوصول بالمشكلات أو الصراعات إلى حافة الهاوية أسلوب دأبت إيران على العمل به منذ بدء الحصار الأمريكى وفرض عقوبات اقتصادية عليها. وليس هناك خلاف على أن هذه العقوبات كان لها بالغ الأثر على الأوضاع داخل الدولة، والمظاهرات التى خرجت مؤخراً فى إيران، وعبّر المشاركون فيها عن ضجرهم من الأحوال المعيشية المتردية، مؤشر لا يخطئ على ذلك. وهى المظاهرات التى قابلها النظام الإيرانى بالقمع. قبل هذه المظاهرات اجتهد حكام طهران فى القيام بعمليات نوعية لافتة فى الخليج، شملت ضرب ناقلات بترول وقصف مصفاة «أرامكو»، كما أسقطوا طائرة استطلاع أمريكية. الهدف من هذه الخطوات كان واضحاً، ويتمثل فى تفجير الموقف برمته. ولعلك تذكر أن «ترامب» قرّر فى لحظة توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، لكنه تراجع عن ذلك فى آخر وقت. العجيب أنه هذه المرة بادر إلى مساعدة إيران بالوصول بالمشكلة إلى حافة الهاوية، حين نفّذ عملية اغتيال قاسم سليمانى.
مقتل «سليمانى» يعنى ببساطة أن «ترامب» وصل فى معاداته للنظام الإيرانى إلى حافة الهاوية. والآن لم يعد أمام طهران سوى الرد. ولا يستطيع أحد أن يقرّر -على وجه الدقة- حجم الرد أو نوعيته، أو يجيب عن سؤال التداعيات التى ستترتب عليه، ومسارات الأمور بمنطقة الشرق الأوسط. الأمر الثابت أن أوضاع المنطقة قبل ليلة الجمعة الماضى لا تماثل الأوضاع بعدها، سواء بادرت إيران إلى «الرد الثقيل»، كما أعلن فى طهران، أو الرد المرتب أو التمثيلى كما يتوقع البعض. فى الحالتين سوف يختلف المشهد فى المنطقة. فالرد الثقيل يعنى توابع قد تكون أكثر ثقلاً، أما الرد المرتب فمعناه الوصول إلى خط النهاية للنظام الحاكم فى إيران وطموحاته فى المنطقة العربية.
الرد المرتب يعنى امتصاص الضربة الموجعة التى وجهها «ترامب» إلى حكام إيران، ويؤشر إلى أنها تسامحت فى مقتل الرجل الثانى فى الدولة، خوفاً مما هو أكبر، لكن ما هو أكبر سوف يحدث. فنظرة المواطن الإيرانى إلى نظام الحكم الذى تراخى أمام الأمريكان وتعافى على المواطن الذى خرج مندداً بتردى أحواله المعيشية سوف تختلف. كما أن المشروع الإيرانى الطامح إلى السيطرة على دول المنطقة سوف يتهاوى لسببين، أولهما مقتل المهندس الأكبر لهذا المشروع «قاسم سليمانى»، الذى تمكن من وضع قدم إيران فى سوريا ولبنان والعراق واليمن. كما سيكون على الأذرع العربية لإيران، سواء حزب الله أو الحشد الشعبى أو الحوثى، أن تراجع حساباتها، وتعيد النظر فى العمل تحت مظلة المشروع الإيرانى بالمنطقة. تلك ببساطة النتائج التى يمكن أن نشهدها على الأرض إذا رجّح صانع القرار الإيرانى خيار امتصاص ضربة «مقتل سليمانى»، أو الرد التمثيلى المرتب عليها.
وعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، لا خلاف على أن الخطوة التى اتخذها «ترامب» أحدثت شقاً داخل الكونجرس الأمريكى. فمثلما جرت العادة، دافع الجمهوريون عن الخطوة، فى حين استهجنها المحافظون، واتّهموا «ترامب» بالانفراد بالقرار، وبأن هناك ثمناً سوف تدفعه أمريكا جراء ذلك. وسواء فى إيران، أو على مستوى المنطقة العربية، أو على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد دخلت اللعبة مرحلة الخطر!.