بقلم: د. محمود خليل
منذ غزو الاتحاد السوفيتى لأفغانستان 1979 لم يكن «مبارك» بعيداً عن ملف الجهاد لتحرير هذا القطر، بعد أن أوكل إليه «السادات» مهمة الإشراف على الجهود التى تبذلها مصر على هذا المستوى. كانت مصر واحدة من ضمن مجموعة دول رأت الولايات المتحدة توظيفها فى دحر القوات السوفيتية وطردها من أفغانستان، تجنّباً للصدام المباشر مع السوفيت فى ظل الحرب الباردة بين القوتين العظميين. ويشير أحد المحللين الأمريكيين إلى أن لقاءً جمع بين «السادات» وعمر التلمسانى المرشد العام لجماعة الإخوان، تم الاتفاق فيه على أن تدعم الجماعة الجهاد فى أفغانستان من خلال المساعدات الإغاثية والإنسانية.
فى هذا السياق، بان «خبث مبارك» فى إفساح المجال للإخوان وغيرها من التيارات الإسلامية للسيطرة على النقابات والمساجد، والسماح لهم بالتحرّك السياسى داخل الشارع وبعض مؤسسات الدولة. فمع اشتعال الوضع فى أفغانستان وتبنى الكثير من الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فكرة الجهاد ضد الإلحاد، بادر «مبارك» إلى توسيع مساحة مشاركة الجماعات فى الجهاد الأفغانى ليتجاوز الدعم الإغاثى والإنسانى، إلى الدفع بالمقاتلين نحو جبال أفغانستان، ليقوموا بدورهم فى الجهاد إلى جوار إخوانهم من الأفغان العرب!. صدحت ميكروفونات المساجد تدعو إلى التبرّع لـ«الجهاد ضد الإلحاد»، ونظمت مؤتمرات داخل عدد من النقابات المهنية الكبرى ترفع الشعار نفسه، وكانت عملية تسفير المجاهدين -من المتطرفين- إلى أفغانستان تتم تحت سمع وبصر المسئولين وبترتيبهم. وبمرور الوقت أصبحت مصر معيناً لا ينضب للمجاهدين المتطوعين لتحرير أفغانستان من ربقة الإلحاد. كان المتطرفون يدركون أنهم يسدون خدمة خاصة للولايات المتحدة الأمريكية التى يرون فيها الشيطان الأكبر والمدافع الأول عن إسرائيل، ورغم ذلك انطلقوا إلى جبال أفغانستان. ويبدو أن الفيلم أعجبهم!
يذهب «هيكل» فى كتابه «من المنصة إلى الميدان» إلى أن «مبارك» وجد فى فكرة «الجهاد ضد الإلحاد» التى تم تداولها فى الخليج، وانتقلت منه إلى التيارات الإسلامية فى مصر، فرصة جيدة لمقايضة الموارد الإنسانية الضخمة فى مصر بمساعدات مالية ضخمة يستطيع الحصول عليها من الخليج، بإمكانها أن تنفع فى تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية فى مصر، وتخدم التطلعات التى تفتحت شهيتها للثراء، يضاف إلى ذلك إيجاد سوق لتصريف السلاح السوفيتى لدى مصر والتى لم تعد فى حاجة إليه بعد التوجّه إلى التسليح الأمريكى. ما يمكن أن تخلص إليه من وجهة نظر «هيكل» فى ما يتعلق بأداء «مبارك» على مستوى هذا الملف أن الأخير حاول أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فيُرضى الولايات المتحدة الأمريكية، ويستعيد علاقة مصر بدول الخليج التى انقطعت بعد إبرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ويحصل على مساعدات مالية ضخمة من كل صاحب وجيعة فى وجود السوفيت فى أفغانستان، لكن يبقى -فى تقديرى- أن العصفور الأهم الذى أراد «مبارك» ضربه هو التخلص من المتطرفين والدفع بهم نحو الأتون الأفغانى المشتعل، ولم يتحسّب «مبارك» -مثل كل من يصرفه الطمع عن التفكير فى المستقبل- لعودة مرتقبة للعناصر التى سافرت للجهاد واكتسبت خبرات وقدرات قتالية تجعل منها تهديداً أخطر لحكام الأدهمية وأهليها.