بقلم: د. محمود خليل
فى وقت الأزمات ليس من الحكمة أن يوجه أحد الأطراف المسئولة عن مواجهة الأزمة اتهاماً إلى طرف آخر، حتى ولو ظهرت منه بعض الأخطاء. تقييم الأداء يأتى بعد الخلاص من الأزمة وليس خلالها. أقول ذلك بمناسبة الجدل المحتدم على هامش حديث الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء عن أن عدم انتظام الأطباء كان سبباً فى زيادة عدد الوفيات بفيروس كورونا، وهو الحديث الذى ردت عليه نقابة الأطباء ببيان رسمى غاضب ذكرت فيه أن رئيس الوزراء تجاهل الأسباب الحقيقية لزيادة عدد الوفيات والمتمثلة فى عجز الإمكانيات وقلة المستلزمات الطبية والعجز الشديد فى أسرَّة الرعاية المركزة.
كالعادة كان هذا الجدل موضوعاً للاستقطاب ما بين مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى، فهناك من أيَّد موقف رئيس الوزراء وتحدث عن أداء الأطباء فى المستشفيات الحكومية -حتى من قبل ظهور كورونا- وذكر أنه لم يكن على ما يرام، وأن المرضى كثيراً ما كانوا يذهبون إلى المستشفيات فلا يجدون طبيباً يقدم لهم الخدمة، وأن اهتمام أغلب أطباء وزارة الصحة ينصرف إلى العمل فى المستشفيات والعيادات الخاصة بحثاً عن الرزق. فى المقابل هاجم كثيرون كلام رئيس الحكومة وأعربوا عن دعمهم للأطباء الذين سقط منهم فى مواجهة كورونا عشرات الشهداء، وما زالوا يواصلون العمل رغم عدم توافر إمكانيات ومستلزمات الحماية لهم ولأسرهم من الإصابة بالفيروس، ومد البعض الخط على استقامته ووجه اتهاماً إلى الحكومة بأنها تبحث عن أى طرف «تشيله الشيلة» فيما يتعلق بفيروس كورونا، فبالأمس كانت تتحدث عن الوعى المفقود لدى الشعب وعدم اتخاذ أفراده الاحتياطات اللازمة للوقاية من المرض مما يؤدى إلى انتشار الفيروس، واليوم تتحدث عن الأطباء وتريد إلقاء تبعة ازدياد عدد الوفيات على الأطباء.
مثل هذا الجدل بما يخلقه من انقسامات وسوء فهم بين الأطراف المسئولة عن مواجهة الفيروس «مش وقته خالص». واجب الوقت يقضى بأن تتكامل جهود هذه الأطراف معاً، ولا يعطى طرف لنفسه سلطة تقييم طرف آخر ونحن «فى عز الأزمة». وأظن أنه قد آن الأوان للابتعاد عن لغة التهديد بالجزاءات والعقوبات الإدارية وغير ذلك. فالأطباء العاملون فى وزارة الصحة -مثل غيرهم من موظفى الدولة- يعانون من ضعف المرتبات، ومن يسقط منهم شهيداً فى المواجهة لا تحصل أسرته على معاش مناسب. ورئيس الحكومة يعلم أكثر من غيره أن الأطباء العاملين فى وزارة الصحة يشكلون نسبة لا تزيد على 38% من إجمالى عدد الأطباء بمصر، والنسبة الباقية إما تعمل فى المستشفيات والعيادات الخاصة أو هاجرت للعمل فى الخارج. وبحكم أن رئيس الحكومة هو الذى يدير خلية الأزمة المسئولة عن مواجهة كورونا فأظن أن لديه من المعلومات ما يكفى حول تحرك حكومات دول أخرى عديدة نحو البحث عن المزيد من الأطباء وتثمين وتقدير دورهم وتضحياتهم فى مواجهة الفيروس. أظن أن التسرع فى التقييم وإلقاء التهم لن يفيد أحداً سوى الفيروس اللعين الآخذ فى الانتشار.