بقلم: د. محمود خليل
زمان كان أمر تغيير الحكومة أو إجراء تعديلات وزارية يثير اهتمام الناس. اليوم لم يعُد الأمر كذلك. منذ عدة أيام وأحاديث بعض الإعلاميين لا تتوقف عن تعديل وزارى مرتقب، وقد حاولوا استثارة الاهتمام العام بالأحاديث المتضاربة عن عدد الراحلين، فمنهم مَن قال إن التعديل سيصيب 10 وزارات، ومنهم مَن ذكر 15 وقد يصل إلى 20 وزيراً. ثم تجاوزت أحاديث بورصة التعديل موضوع العدد إلى تحديد أسماء وزراء بأعينهم سوف يخرجون فى التشكيل، ورغم ذلك بقى الاهتمام محدوداً. والسؤال: لماذا لا يهتم الناس بأخبار التعديل الوزارى؟
الناس إذا فهمت اهتمت، وإذا غابت عنها المعلومات ألقت بالأمر وراء ظهرها. أسرار رحيل وزير معين من منصبه ومسوغات إحلال اسم جديد مكانه هى فى العادة غير معروفة أو مطروحة للنقاش. كل ما يمكن أن يتم توفيره فى هذا السياق مجرد السيرة الذاتية للوزير الجديد التى تتسابق وسائل الإعلام إلى نشرها أو نسخها من بعضها البعض. أما المعلومات التى تساعد الفرد على فهم خبرات الوزير وقدراته وسوابق إنجازه والعوامل التى أهَّلته للجلوس على كرسى الوزارة فلا تتوافر فى الأغلب. وليس مطلوباً من الناس أن تتفاعل مع شخص ليس لها سابق -أو حاضر- معرفة به، ولا يتوافر لديها معلومات كافية عنه تبرر التفاعل معه. فهل ستبادر الحكومة هذه المرة بتقديم معلومات وافية ومتكاملة عن أى وزير جديد وتلزمه بأن يقدم على ملَأ من وسائل الإعلام تصوراً حول الطريقة التى سيتعامل بها مع مشكلات وزارته وجدولاً زمنياً للإنجاز يُحاسب عليه؟
تكرار قواعد الاختيار لا يبشِّر بجديد. ليس لدينا فى مصر قاعدة بيانات تشتمل على أسماء الكفاءات فى شتى المجالات. مؤسسات الدولة المصرية لم تعدم الكفاءات عبر أية مرحلة من مراحل تاريخها. فالمبدعون والقادرون على التطوير والمخلصون فى عملهم موجودون فى كل زمان ومكان فى هذا البلد، لكن السؤال: مَن يشير إليهم.. ويوفر بيانات عنهم حتى تتمكن الحكومة من اختيار أكفأ العناصر فى صفوفها؟ لا أحد!. معظم أهل المحروسة يؤمنون بأن الطلب على «الفهلوة» يفوق الطلب على «الكفاءة»، وأن أهل الثقة غلبوا أهل الكفاءة، وبالتالى فالاهتمام أو التفاؤل بوزير جديد ليس له معنى من الناحية المنطقية «شالوا ألدو جابوا شاهين»!. والسؤال: هل يتم كسر القاعدة هذه المرة وتمتد يد الاختيار إلى أسماء يتوافر فيها شروط الكفاءة والقدرة؟
النفس إذا كلَّت ملَّت. ليس هناك خلاف على أن الناس تحملت خلال السنوات الماضية نتاج الإجراءات الاقتصادية التى انتهجتها الحكومة، على مستوى خفض الدعم وتعويم الجنيه. وتمتع الشعب ببطولة حقيقية وهو يتحمل آثار هذه الإجراءات. ويتعشم المواطن أن تأتى الأيام القادمة بما يخفف عنه حموله ومعاناته. الشهور الماضية شهدت انخفاضاً فى سعر الدولار أمام الجنيه، وتراجعاً فى معدلات التضخم، وصعوداً فى عوائد السياحة، وهى أمور يتوقع المواطن أن يكون لها مردود إيجابى على الأسعار، مردود لا يقدَّر بالجنيه أو بالنصف جنيه، بل بما هو أعلى، حتى يشعر بأنه صبر وظفر.. وهو يسأل باستمرار: هل سيكون من أولويات الحكومة الجديدة أو المعدلة مراقبة الأسواق بشكل حقيقى، وغل يد الاحتكارات عن نهش المواطن، وتحريك عجلة الاستثمار، والارتقاء بمستوى الخدمات بصورة يشعر معها المواطن أن ثمة جديداً تحت شمس الحكومة الجديدة؟