بقلم: د. محمود خليل
تخطئ إثيوبيا حين تظن أن بمقدورها التحكم فى مصير أكثر من 100 مليون مصرى يعيشون على ماء النيل. فالقضية أكبر مما يتصور آبى أحمد وصبيانه الذين يكذبون على أنفسهم وعلى شعبهم حين يقدمون له مشروع سد النهضة كمشروع قومى نهضوى. العالم كله يفهم أن المشروع «سياسى بامتياز» يناور به رئيس الوزراء الإثيوبى لأهداف انتخابية فى المقام الأول. فإثيوبيا ليست بحاجة إلى احتجاز الماء، حيث يهطل عليها من السماء 950 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. وتوليد الكهرباء - طبقاً لما يؤكده الخبراء - لا يحتاج إلى سد بحجم سد النهضة. يخطئ آبى أحمد وصبيانه إذا ظنوا أن القوى السياسية الخارجية التى تدفعهم للافتئات على حق مصر فى مياه النيل يمكن أن تساعدهم على العبور بما يريدون. إنه الوهم المستطير الذى سرعان ما ستذروه الريح.
لا تستوعب إثيوبيا حقيقة أن قضية النيل ليست قضية سلطة تحكم، بل قضية شعب يعلم أن النيل هو من وهب الآباء والأجداد الحياة، ولم يزل يواصل عطاءه للأجيال المتعاقبة من المصريين. أصغر طفل فى مصر يفهم أن النيل بالنسبة لنا يساوى الحياة. إذا كانت إثيوبيا قد قفزت على الاتفاقيات الدولية التى تنظم عمل الأنهار الدولية، وتعنتت فى المفاوضات، وقفزت على مجلس الأمن الذى طالب أعضاؤه بإبرام اتفاق ملزم يحمى مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، وسخرت الاتحاد الأفريقى كأداة لتمرير أطماعها، إذا كانت إثيوبيا فعلت كل ذلك فعليها ألا تنسى أن الاقتراب من حق مصر فى مياه النيل من المحظورات الشعبية.
أصغر طفل مصرى يعلم أن النيل هو أصل الحياة وأصل الملك فى مصر. يحفظ فى المدرسة الآية القرآنية الكريمة التى حاجج بها فرعون مصر نبى الله موسى، حين كان الأخير يحدثه عن الجنة وما فيها من نعيم وأطايب وأنهار، فما كان من فرعون إلا أن نادى قومه - الذين يعرفون جيداً قيمة النيل بالنسبة لمصر - ثم أسمعهم ما يقول موسى ورده عليه بأن نهر النيل وفروعه تجعل من مصر جنة على الأرض: «ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون». مصر جنة بالنيل.. ومن غيره لا بد أن تتحول إلى جحيم يحرق من يريد حرمانها منه.
لن أتحدث عن المفاوضات وما شهدته من مماطلات ومراوغات أضاعت بها إثيوبيا الوقت حتى تتمكن من إنجاز العمل على الأرض لتعلو ببنيان السد، لن يلتفت مصرى إلى هذا الأمر الآن، ولن يأبه باتحاد أفريقى ولا غيره، ولا بمجتمع دولى وخلافه. لقد راقب الشعب الموقف سنين عدداً، كان يلاحظ التعنت الإثيوبى، وكان يعالجه بالصبر. وصبر المصريين طويل، ولكن لكل صبر حدود. ولا صبر لنا كشعب على أن تسلبنا إثيوبيا ومن وراءها حقنا بهذه الصورة ثم تمضى آمنة مطمئنة.
شعب مصر هو شعب النيل.. هذه الحقيقة يتعامل معها الأحباش بجهل وتغفيل واضحين.. للنيل شعب يحميه.