توقيت القاهرة المحلي 19:14:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محمود صلاح

  مصر اليوم -

محمود صلاح

بقلم: د. محمود خليل

التقيت مع النبيل «محمود صلاح» أشهر محرر حوادث فى بر مصر أكثر من مرة، واستمتعت بالحوار معه. واعتصرنى الألم عندما علمت بوفاته - أظله الله بسحابات رحمته- كما اعتصر غيرى. محمود صلاح رائد فى مجاله، وتستطيع أن تستدل على ذلك بسهولةٍ من غرام أغلب محررى الحوادث فى مصر بتقليد أسلوبه الرائد فى كتابة الحوادث.. لا يختلف اثنان على أن محمود صلاح نحت أسلوباً خاصاً فى تقديم هذا الجانب من الحياة إلى القراء، وكانت له طريقته الفريدة فى نسج اللغة وسرد الأحداث بصورة ارتقت بالقصة الصحفية إلى مرتبة من مراتب القصة الأدبية. وإذا كان الأدب خيالاً، فإن واقع الحياة الذى تنقله القصص الصحفية أحياناً ما يفوق الخيال. لا أريد أن أستطرد كثيراً فى تتبع ملامح التميز ونقاط المهارة على خريطة التجربة المهنية للراحل، فهى معلومة بالضرورة لكل من عمل أو درس مهنة الصحافة، لكننى أريد أن أتوقف أمام شلال الحزن الذى اجتاح الجميع لحظة فقده.

تعلم أن تزاحم العملات الرديئة فى الأسواق يؤدى إلى طرد العملات الجيدة. هذه القاعدة تنطبق على أية مهنة وتنسحب على أى مجال. تخيل أننا فى «سوق خضار» تتراص فيها عربات وأكشاك البيع، وأمام كل منها يقف بائع ينادى على بضاعته كما ينادى البهلول على أشباحه. ووسط هؤلاء يقف بائع يملك بضاعة جيدة لكنه لا يستطيع المزاحمة ولا يجيد «البهللة». فى أسواق الحياة ستجد الكثرة الغالبة من الزبائن تُقبل على بضاعة البهاليل غالية الثمن وضعيفة الجودة، أما الأقل فسوف يشترون من المُجيد الذى يقدم بضاعة جيدة بسعر معقول. فاحتمالات النجاح لمن يمتلك مهارة تسويق نفسه ويجيد النصب على المجموع أعلى بكثير من احتمالات النجاح لمن يقدم بضاعة جيدة، لكنه لا يتقن مهارات التسويق ويعشق الحقيقة. سوف تسأل: ولماذا لا يسوِّق نفسه؟. سأجيبك بأن من يعمل وينتج لا يملك وقتاً للتسويق. إنه ينتظر ببساطة لحظة صدق يحياها الزبائن يدركون فيها مدى حمقهم حين عاشوا ردحاً من الزمان يستهلكون فيه السيئ الذى يوجع بطونهم ويلوث عقولهم ويزهدون فى الجيد القادر على صلب أعوادهم وتنظيف تفكيرهم من «كناسة الأسواق». فى لحظة الصدق تلك يدرك الجميع أن الخبيث والطيب لا يستويان مهما كانت كثرة الخبيث. يقول الله تعالى: «قُل لَّا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ».

عاش محمود صلاح زمناً يحظى بنجومية كبيرة، وكان القراء ينتظرون صباح كل يوم سبت قصته الصحفية الجديدة التى تعالج أبرز حادثة شهدها الأسبوع بشكل يضع الواقعة فى سياقها الإنسانى، ويحكيها بكلمات من لحم ودم، تبث الحياة فى القصة لتصبح جزءاً من الحياة. وشيئاً فشيئاً أخذت السوق تتزاحم بالردىء الذى أفسد ذوق بعض القراء، فأمست قدرتهم على «استطعام الجيد» معدومة. مسألة تثير الحزن والكدر، وذلك ما عانى منه الراحل الكريم أواخر عمره، فمكث فى انتظار لحظة صدق يعيشها الجميع يميزون فيها بين الجيد والردىء، وقد شاء الله أن تأتى وهو يرحل عن عالمنا إلى عالم أفضل. الألم الذى شعر به الكثيرون بوفاة محمود صلاح لا يرتبط بمجرد صعود روحه إلى بارئها. فالموت نهاية كل حى، لكنه يجد سره فى إدراك الحقيقة التى تقول إن الجيد يبقى مهما قصر عمره، وإن فقاعات الرداءة -مهما طال بها العمر- إلى انفثاء!. رحم الله نبيل الصحافة المصرية محمود صلاح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمود صلاح محمود صلاح



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon