بقلم : د. محمود خليل
«المعلومة بين إيدين الصحفى»، تلك واحدة من الميزات الأساسية التى تحدث عنها المدافعون عن قانون الصحافة والإعلام الجديد الذى وافق عليه مجلس النواب بصورة نهائية يوم الأحد الماضى. القانون اشتمل على نقاط عديدة جديرة بالمناقشة، لكن دعنا نركز على هذه النقطة، لأنها كاشفة إلى حد كبير عن الفكر والفلسفة، التى حكمت واضعيه. الأستاذ أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب، تناول هذه النقطة فى أحد تصريحاته، وقال إن القانون الجديد يلزم جميع الجهات الحكومية والعامة بإنشاء إدارات لتوفير المعلومات للصحفيين وحظر فرض أى قيود تعوق توفير وإتاحة المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين وسائل الإعلام المختلفة فى الحصول على المعلومات.
«امنح فى القانون، وامنع فى الواقع».. يصح أن نقول إن تلك هى الطريقة التى تتفاعل بها القوانين فى مصر. فالقوانين تحتوى على العديد من المواد الرائعة المرصوصة على الورق، لا يتم الاكتراث بها كثيراً فى التطبيق الواقعى. قانون الصحافة والإعلام نصّ على «إتاحة المعلومات للصحفيين»، لكن أحداً لا يستطيع أن يراهن على أن هذا النص سيُطبق. المادة التى أبهرت المدافعين عن القانون قديمة، وقد سبق ونص عليها قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لعام 1996. المادة (8) من القانون السالف تنص على حق الصحفى فى الحصول على المعلومات، وضرورة أن توفر كل جهة حكومية أو عامة، إدارة لمساعدة الصحفى على الوصول إلى المعلومة، وطوال السنين الماضية لم تكن المادة تطبّق، وما أكثر ما حيل بين الصحفيين وبين الوصول إلى المعلومات. دستور 2014 نص على إصدار قانون «حرية تداول المعلومات»، حتى تدخل مصر إلى نادى الدول التى تعتمد على الشفافية وتتيح المعلومة لمن يحتاجها من مواطنيها، ما دامت لا تمس الأمن القومى، ذلك النادى الذى تتزاحم فيه بعض الدول العربية والأفريقية!، ورغم ذلك لم يصدر القانون حتى الآن. الكلام كثير، لكن التطبيق أمر آخر.
المدافعون عن هذه المادة يتحدّثون عن «حق الصحفى فى الوصول إلى المعلومات» من خلال إدارات معتمدة داخل الجهات الحكومية والعامة، وهم يعلمون أن هذه الجهات محكومة بمحنتين، أولهما محنة «توافر المعلومات»، فداخل العديد من المؤسسات لا تتوافر المعلومات، حتى بالنسبة للمسئولين عنها، لأنها ببساطة لا توجد، وثانيهما أن أغلبها يستند إلى «ثقافة الكتمان»، ولا تلتزم بقواعد الشفافية فى الإدارة بصورة تتيح المعلومات إذا وجدت.
علينا أن نعترف أن الصحافة المصرية أصبحت تلعب منذ سنين خارج المعادلة الزمنية للعصر، وأن تأثيرها يضعف باستمرار لأسباب عديدة، من بينها الفكر التشريعى الذى يحكمها، والذى لا يمنحها القدر المطلوب من حرية الحركة، بما يمكنها من القيام بأدوارها ووظائفها فى حياة القراء. من يؤيدون القانون ويستحسنون مواده، وكذلك من ينتقدونه ويعيبونها يعلمون هذه الحقيقة، والسر الأكبر فى خروج الصحافة المصرية من معادلة العصر يرتبط بقصة المعلومات، سواء ما يتعلق بالحصول عليها، أو نشرها فى حالة توافرها فى يد الصحفى أو الإعلامى. يحدث هذا فى وقت أصبحت فيه المعلومات فى العالم ملقاة على قارعة «الفضاء الإلكترونى» للعالم!.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع