بقلم: د. محمود خليل
نفتح الشبَّاك ولا نقفله.. جملة تكررت كثيراً فى فيلم القضية 68 الذى يحكى طرفاً من الجدل الذى أُثير فى مصر عام 1968 حول مسألة الانفتاح الديمقراطى. الفكرة الأساسية التى تعبِّر عنها الجملة تلخص حالة الحيرة التى تقترن فى الأغلب بالأزمات، وتراوح البشر بين فكرة الانفتاح مع ما يحمله من مخاطر على مجتمع يعانى آثار صدمة، وفكرة نقيضة تذهب إلى أن الشباك الذى تأتى منه الريح خير للإنسان أن يسده ويستريح. على هامش أزمة كورونا يواجه العالم هذه الأيام إشكالية شبيهة، انقسمت إزاءها الحكومات وكذلك الشعوب بصورة غير مسبوقة. فهناك من يرى ضرورة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا، ومنح عجلة الاقتصاد الفرصة من جديد كى تدور، ليرجع كل شىء إلى ما كان عليه، وفى المقابل تجد أصواتاً تحذر من التسرع فى التخفيف من الإجراءات الاحترازية التى تم اتخاذها لمحاصرة انتشار الفيروس بين البشر، خصوصاً أن عدد المصابين به يقترب من الملايين الأربعة، وتجاوز عدد الوفيات الربع مليون شخص.
لا يستطيع طرف من أطراف هذا الخلاف أن يقول إن وجهة نظره هى الأكثر وجاهة، فمن يقولون بمواصلة الإجراءات الاحترازية يخشون من زيادة عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن الإصابة بالفيروس، لكنهم لا يأخذون فى الاعتبار طوابير البطالة التى تزداد طولاً وأصبحت تضم الملايين من البشر داخل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم. فى المقابل يلتفت المتحمسون لعودة الحياة لطبيعتها إلى التعامل مع الخسائر الاقتصادية الجسيمة التى ترتبت على الإجراءات الاحترازية، لكنهم لا ينتبهون إلى الزيادات المحتملة فى عدد الإصابات والوفيات التى يمكن أن تنتج عن ذلك. الجدل حول هذه المسألة مشتعل فى مصر مثلما الحال فى العديد من دول العالم.
التعامل العقلانى مع هذه المعضلة يقتضى أولاً الوعى بأن مصر وغيرها من الدول هى جزء من العالم. فالتحرر من الإجراءات الاحترازية داخل دولة واحدة لن يؤدى إلى التخفيف من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، لأن اقتصاد العالم مرتبط ببعضه البعض، وبالتالى لن يؤدى فتح الشباك المحلى إلى ما نرجوه من آثار إيجابية إذا لم يتم فتح الشباك العالمى. العديد من المؤشرات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية التى دخلت فى مواجهة مع الجائحة تقول إن الكل بصدد فتح الشباك والتحرر شيئاً فشيئاً من الإجراءات الاحترازية والتعايش مع وجود الفيروس إلى أن يتم اكتشاف علاج له أو لقاح يحمى منه، لكن من المهم أن نلتفت إلى أن التعايش لن يتم دون إجراءات وقائية. ومن الأسئلة المهمة التى يجب أخذها فى الاعتبار لحظة التفكير فى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه: هل وفرنا الأدوات الوقائية التى يمكن أن تقلل من انتشار الفيروس؟ وما مدى فاعلية هذه الأدوات فى تحقيق الهدف المرجو فى تقليل عدد الإصابات؟. الحسابات المسبقة تضمن للخطوة النجاح. وإذا كانت الحسبة الاقتصادية عولمية بطبيعتها، فإن حسبة الوقاية محلية بالأساس.