بقلم: د. محمود خليل
شاشة التليفزيون اليوم لم تعد الوسيلة الأهم للتعرض للمسلسلات أو الأفلام أو الأغانى، بعد أن حلت شاشة الموبايل وتطبيقاته وشاشة الكمبيوتر وبرامجه محل هذه الشاشة التى عرفها الآباء والأجداد، كما أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت المصدر الأهم للأخبار لدى النسبة الغالبة من شعوب العالم. لم تعد شاشة التليفزيون ضرورة قصوى بالنسبة للأجيال الجديدة، تماماً مثل ساعة اليد التى لم يعد يُقبل عليها إلا القليل، لأن الساعة متوفرة فى شاشة الموبايل، وشاشة الموبايل لا تبرح اليد أو الجيب. كما أن قسماً من المشاهدين الكبار ممن ترهقهم المشاهدة عبر شاشة الموبايل الصغيرة أصبحوا يستخدمون شاشة التليفزيون كمجرد شاشة مكبرة للاب توب أو الموبايل لمشاهدة الأعمال على موقع يوتيوب. وظنى أنه لولا القنوات والبرامج الإخبارية لتراجع دور التليفزيون فى حياة الجمهور المعاصر أكثر وأكثر.
خلال السنوات الأخيرة تمكنت «المنصة التليفزيونية» على الإنترنت من احتلال مكانة «القناة التليفزيونية» التقليدية لدى المشاهد، وبعد أن كانت مجرد نافذة للعرض دخلت مجال الإنتاج التليفزيونى. إحدى المنصات الشهيرة أنتجت المسلسل الإسبانى المعروف «بيت من ورق»، وهو المسلسل الذى حقق شعبية كبيرة لدى الجمهور فى مناطق مختلفة من العالم منذ عرض جزئه الأول عام 2017. نسبة لا بأس بها من الشباب المصريين تابعوا المسلسل فى مواسمه المختلفة. ولو أنك تابعت مباراة نهائى البطولة الأفريقية بين مصر وساحل العاج فقد تكون قد لاحظت أن لاعبى المنتخب القومى ارتدوا قناع «دالى» الذى كان يستخدمه أبطال المسلسل. منصات أخرى شهيرة على مستوى العالم بدأت تدخل هى الأخرى إلى ساحة الإنتاج السينمائى والتليفزيونى. نحن أمام تحول مثير على مستوى الأدوار التقليدية للتليفزيون والمحتوى التليفزيونى فى حياة المشاهدين.
تحول آخر ساهم فى تهديد المكانة التقليدية للتليفزيون والقنوات التليفزيونية ارتبط بحزمة القنوات الخاصة باليوتيوبرز التى يتزايد عددها وتتوسع وتتنوع اهتماماتها يوماً بعد يوم. والشعبية التى تحظى بها فيديوهات اليوتيوبرز مردها الإعداد الجيد، إن لم يكن المتميز فى بعض الأحوال، للمادة التى يحتوى عليها الفيديو، وكفاءة التقديم وإجادة اليوتيوبرز للمهارات المطلوبة للتواصل مع الجمهور. نحن أمام ظاهرة متنامية تحتل يوماً بعد يوم مساحات أكبر على خريطة المشاهدة، سواء من الشباب أو غيرهم من الأجيال المتعاملة مع عالم السوشيال ميديا، وهى باستمرار تسحب البساط من تحت أقدام التليفزيون، وتصنع نجوم شاشة جدداً (شاشة موبايل - أو شاشة كمبيوتر). بل قل إن شاشة الموبايل بدأت فى اختزال كل الشاشات فى حياة المواطن المعاصر، فأصبحت بديلاً لشاشة التليفزيون ولشاشة الكمبيوتر.
ومثلهم مثل نجوم التليفزيون التقليدى يحقق اليوتيوبرز أرباحاً كبيرة عبر الإنتاج الذى يقدمونه على قنواتهم الخاصة على موقع اليوتيوب. والأساس فى الربح هو الإعلانات التى تشتمل عليها الفيديوهات. وقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً متزايداً فى حجم الإنفاق على الإعلانات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى، ولا خلاف على أن الحصة التى توجَّه إلى هذه الإعلانات تقتطع من كعكة الإنفاق الإعلانى الموجه إلى الإعلام التقليدى. وأنت تعلم أن تراجع مدخولات الإعلان من الأسباب الرئيسية التى تعجِّل بنهاية أية وسيلة إعلامية.