بقلم: محمود خليل
ثمة خيط رابط بين الخواطر المعنونة بـ«كباية شاى» والمجموعة القصصية المعنونة بـ«ديكور» لصاحبتهما الكاتبة «مى حمدى». طبيعة عملها فى المجلس القومى لحقوق الإنسان جعلت بصرها أكثر حدة وبصيرتها أكثر نفاذاً إلى أوجاع بسطاء الناس فى بلادنا. وما أكثر ما يسقط هؤلاء من الذاكرة المثقوبة لبعض الكتاب، رغم تعبيرهم عن الحياة فى أعمق معانيها. فدنياهم البسيطة معبر وثرية الدلالة على المحبة البريئة لتراب بلادنا، المحبة الخالصة التى لا تبغى من وراء الحب وصالاً ولا منفعة، محبة قادرة على تحمل أشد الأوجاع وأكثرها قسوة، وتجد فى تحملها أحد التعابير عن المعنى الحقيقى للحب.
«كباية شاى» يشتمل على مجموعة من المواقف الإنسانية التى تحمل براءة الشارع المصرى ونقاوته. تنقل صوراً لبشر لا يطمعون إلّا فى القليل: حارس أمن، بائعة رصيف، منادى سيارات. هذه الشخوص وغيرها كانت حاضرة بقوة داخل العديد من القصص القصيرة التى اشتملت عليها مجموعة «ديكور». ولو أنك تأملت سطور القصة التى منحت المجموعة عنوانها: «ديكور» فستجد أن بطلتها امرأة مجهولة الاسم والعنوان، أقامت لنفسها خيمة أمام أحد المستشفيات تتصدرها يافطة كرتونية مكتوب عليها: «عاوزة حق بنتى». فى المستشفى الذى تجلس السيدة أمامه فاضت روح ابنتها أثناء إجراء عملية «تخسيس». فتاة مثل كل الفتيات عاشت تحلم بالزواج، وكانت تجد فى بدانتها عائقاً أمام الحلم. ضعفت الأم المسكينة أمام رغبة ابنتها فظلت تعمل فى تنظيف البيوت وتضع الجنيه فوق الجنيه حتى اكتمل ثمن العملية، ولم تكن تعلم أن مقتل ابنتها يعشش فى حلمها. ماتت الابنة بسبب خطأ فى العملية، كما قيل للأم. أُسقط فى يد المسكينة وهى تشاهد نظرات اللامبالاة إلى الفجيعة التى كسرت قلبها، ولما عجزت حيلتها أقامت خيمتها ورفعت يافطتها وأخذت تصرخ بحق ابنتها.
شخصيات عديدة من هذا الطراز تجدها حاضرة فى «كباية شاى» و«ديكور» اللذين يربط بينهما خيط رفيع يشده إحساس مرهف بمن يعيشون على هامش الحياة فى الشارع المصرى، رجال ونساء وحتى الأطفال كان لهم نصيب فى سطور «مى حمدى». منحت الكاتبة اهتماماً، خاصة للمرأة المعيلة، ليس بسبب وفاة الزوج أو غيابه أو غيره، ولكن بسبب «موته بالحياة». استحضرت العديد من الوجوه النسائية التى تكد وتعرق فى تنظيف البيوت فى وقت يكون الزوج فيه نائماً فى البيت أو خاملاً فى انتظار أن تأتيه زوجته بثمن تعبها وانكسارها لينفقه على مزاجه الخاص!.
هؤلاء البسطاء وأمثالهم يجلسون على مقاعد البطولة فى كتابات «مى حمدى». الشخوص الذين وصفتهم فى مجموعتها القصصية بقولها: «هؤلاء الذين نمر بهم مرور الكرام فى عجلة من أيامنا الزائلة.. فتراهم أعيننا وتعمى عنهم قلوبنا.. كـ«ديكور» على هامش حياتنا الصاخبة.. وما هم بديكور». بالفعل ليس البسطاء بديكور، بل هم ملح الأرض الطيبة التى نعيش فوق ترابها. هؤلاء الذين يمنحون الحياة معناها الحقيقى، تجدهم فى أحيائنا البسيطة وفى قرى مصر ونجوعها. من بين هؤلاء خرج الكثيرون ممن تعودوا على العطاء بسخاء دون انتظار مقابل. بمثل هؤلاء تصلح الحياة.