بقلم: د. محمود خليل
هى سوق نشأت وتحققت بسرعة بمجرد ارتفاع معدلات انتشار وباء كورونا، وانتشار معلومات موازية بأسماء الأدوية التى تُستخدم فى التعامل مع أعراض الفيروس. بسرعة الصاروخ اختفى كل دواء له صلة قريبة أو بعيدة بكورونا من الصيدليات، رغم توافرها بسخاء قبل الأزمة، وتحولت من السوق البيضاء المكشوفة إلى السوق السوداء المتخفية. تضاعفت أسعارها عدة مرات، وأصبح الحصول عليها أمراً شديد الكلفة وعظيم الصعوبة. السيدة عبير ابنة الفنان الراحل فريد شوقى حكت تجربتها للحصول على الدواء بعد الإصابة بكورونا، حيث لم تُسعفها الصيدليات بدواء، لأن الأدوية غير موجودة، ولا ساندتها وزارة الصحة -كما ذكرت- عبر تطبيق «صحة مصر»، وكأنها ترفع شعار «اتصرف عشان تعيش» فى وجه المواطن.
عرفت مصر -شأنها شأن كافة شعوب العالم- موضوع السوق السودة أوقات الحروب والأزمات. والأصل فيها استغلال حاجة الناس إلى السلع فى وقت تشح فيه، أو يرتفع الطلب عليها ويقل العرض بسبب أجواء الحرب أو الأزمة وعدم القدرة على جلب السلعة. وتبدأ رحلة تجار العمليات «السودة» بتخزين وحجب السلع بمجرد الإحساس بارتفاع الطلب عليها، لتدخل حيز الاحتكار، وتصبح يد مَن يملكها مطلقة فى تحديد سعرها. ويزداد الأمر سوءاً عندما ترتخى يد الحكومات وتتلكأ فى التدخل لتوفير السلع أو مراقبة الأسواق بشكل يضمن وصول السلعة إلى من يحتاج إليها بسعرها الحقيقى.
المراهنة على أخلاق الناس فى الأزمات خاسرة. فالأزمة لها أخلاقياتها، وهى تؤدى بالبشر إلى إفراز أسوأ ما بداخلهم، حيث تعلو قيم الأنانية والرغبة فى الخلاص الذاتى على ما عداها من قيم. وللمصريين مثل عجيب يقول «إن جالك الطوفان ارمى ابنك تحت رجليك وعدِّى عليه»!. وزارة الصحة هى المطالبة بالتحرك مع غيرها من أجهزة الدولة لتوفير العلاج اللازم لمصابى كورونا. نحن لا نتحدث عن سرير فى مستشفى أو أجهزة تنفس اصطناعى أو غرف رعاية مركزة، المسألة تتعلق بتوفير دواء يخفف من الأعراض التى تقترن بفيروس كورونا. أين الأحاديث التى كانت تتردد عن شنطة علاج كورونا التى توفرها الوزارة على سبيل المثال؟. لا يمر يوم إلا وتمطرنا «الصحة» ومسئولوها بعشرات التصريحات عن الأرقام والتوقعات والأمصال التى فى الطريق والعلاج الذى يوشك على التوافر، ولا ينسى أصحاب هذه التصريحات التأكيد على أن «كله تمام»، لكن تجارب من أراد الله اختبارهم بالفيروس تقول غير ذلك.
أزمة كورونا لا ينفع معها الأداء التقليدى، بل تستوجب الحلول السريعة الحاسمة والناجزة، ومؤكد أن الحكومة تملك القدرة والأدوات التى تمكنها من السيطرة على عمل الصيدليات ومحاصرة تجار السوق السودة لأدوية كورونا. لن ينفع هذه المرة التذرع بعدم وعى المواطن وأخلاق الناس والكلام الشبيه، خصوصاً أننا نلاحظ أن الحكومة تتحرك بأعلى درجات الحسم والردع على مستوى ملفات أخرى، وتنجز فيها خلال ساعات قليلة. وبالتالى فالتلكّؤ فى حل مشكلة السوق السوداء لأدوية كورونا غير مبرر، وعدم السعى الحثيث لتوفير الأدوية اللازمة غير مفهوم. على الحكومة أن تتفهم أن الأداء هذه المرة يقاس على الأرض وليس من خلال التصريحات المتلفزة.