بقلم: د. محمود خليل
مال بعض المحللين عند التعليق على قصف إيران لعدد من القواعد العسكرية العراقية التى تؤوى قوات أمريكية بوصفه «رداً مرتباً» تم الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة طهران عليه.
فى تقديرى أن الوصف غير دقيق. الوصف الأدق أنه «رد محسوب» من الجانب الإيرانى الذى أراد أن ينتقم من مقتل قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس، دون تصعيد الأمر إلى حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لأن مثل هذه الخطوة لا تصب فى صالح حكام طهران بحال من الأحوال.
بداية الرد الإيرانى كانت محسوبة على مستوى الزمان والمكان، فقد تم توقيت الضربة فى الموعد نفسه الذى تم قصف موكب قاسم سليمانى وأبوالمهدى المهندس قرب مطار بغداد. كما أن ساحة التنفيذ كانت فى العراق (وكأن قدر هذا القطر أن يكون ساحة للصراعات كما حدثتك أمس) فوق الأرض التى اغتيل عليها «سليمانى»، كما أن الصواريخ أطلقت من قاعدة فى «كرمان» مسقط رأس «سليمانى» وحيث دُفن أيضاً. تعليق المرشد الإيرانى على الضربة كان محسوباً أيضاً، حين خطب فى أنصاره قائلاً إن ما حدث صفعة على وجه الولايات المتحدة الأمريكية لكنها ليست كافية، وأن طهران لن تستريح إلا بعد خروج القوات الأمريكية من العراق. هذا الكلام شعبوى بشكل واضح، أراد المرشد من خلاله اللعب على عواطف الشعب الإيرانى، لكنه أيضاً كلام محسوب، فالحديث عن أن «الرد غير كاف» يحمل رسالة بأن الرد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لن يواجه من الجانب الإيرانى بلا تحفظ مثلما حدث فى ضربة عين الأسد، بل قد يتجاوز ذلك إلى استهداف الجنود الأمريكان. وهو كلام محسوب أيضاً، ويعنى أن طهران تستوعب الخط الأحمر الذى يجب ألا تتجاوزه، لكن حساباتها يمكن أن تختلف إذا أقدم الأمريكان على الرد.
كلام المرشد يعنى ببساطة: فلنتوقف عند هذا الحد ونبدأ التفاوض. «خامنئى» يعلم أن أية مواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ستكون لصالح الثانية، فالقدرات العسكرية الأمريكية لا تنافسها قدرات، لكن الإدارة الأمريكية تعلم أن فتح بوابة الحرب سيسبّب أذى كبيراً للولايات المتحدة ومصالحها وكذلك لحلفائها فى المنطقة، لذا فهى الأخرى تتحرك بحساب وتأخذ بعين الاعتبار التصريحات الإيرانية التى تهدد بعدم ترك أى مكان يحتضن مصالح أمريكية دون استهداف.
فى كل الأحوال، فهى أول مرة توجه فيها مثل هذه الضربات الصاروخية القوية إلى قواعد يعمل فيها أمريكان. والرسالة السياسية التى حملتها الضربة واضحة وتصب فى الهدف الكبير الذى أصبح الإيرانيون يسعون فى تحقيقه بخروج القوات الأمريكية من العراق. من وجهة النظر الأمريكية نفسها يدرك العديد من المسئولين أن إيران أرادت أن توجه رسالة محددة من خلال هذه الضربة تقول إنها لا تريد إشعال حرب فى المنطقة، لذا فقد تعمدت عدم استهداف القوات الأمريكية (ذكر «ترامب» أن كل شىء على ما يرام على هذا المستوى، فى حين زعم التليفزيون الإيرانى غير ذلك)، عموماً أمور كثيرة ستنجلى فيما يتعلق بهذا الحدث عندما تتوافر معلومات أكثر عن تفاصيل ما وقع فى قاعدة «عين الأسد» فجر الأربعاء الماضى.