بقلم: د. محمود خليل
فكرة التمرد على المؤسسة أصبحت موضوعاً للعديد من الأفلام، وقد تجاوزت الأعمال السينمائية إلى المسلسلات التليفزيونية. الملاحظة السريعة لسلوك المشاهدة السائدة لدى الجيل الجديد من مراهقى وشباب مصر تقول إن نسبة لا بأس منها أصبحت تعتمد على المنصات التليفزيونية أكثر مما تعتمد على القنوات. المنصة التليفزيونية عبارة عن موقع يعرض الأفلام والمسلسلات نظير اشتراك معين أو بالمجان، ولم تعد هذه المنصات تعتمد على العرض بل دخلت عالم الإنتاج، وأصبحت تهتم بالإنتاج السينمائى والتليفزيونى.
خلال الأشهر الأخيرة راج عبر بعض هذه المنصات مسلسل إسبانى شديد الأهمية حقق معدلات مشاهدة ملحوظة بين الشباب المصرى، هو مسلسل «بيت من ورق». يحكى المسلسل قصة شاب أطلق على نفسه لقب «البروفيسور» قرر أن ينفذ أكبر سرقة فى التاريخ، وحدد هدفه فى دار سك العملة بإسبانيا. شكَّل «البروفيسور» عصابة تتكون من 8 أفراد متفاوتين فى الأعمار، شملت شباباً ومراهقاً وشخصية فى منتصف العمر. تمكنت المجموعة من احتلال دار سك العملة بإسبانيا، وأعطت الشرطة انطباعاً وهمياً بأن هدفهم سرقة بعض الأموال ثم اللواذ بالفرار، وبلعت الشرطة الطعم وحاولت مهاجمتهم أثناء خروجهم بعدة حقائب متخمة باليورو، فتم التعامل معهم فانسحبوا واحتموا بالدار واحتجزوا 67 رهينة بداخلها. أصبح همّ الشرطة التفاوض مع البروفيسور لإطلاق سراح الرهائن والتسليم، ولم تفطن إلى أن الهدف الأساسى له إطالة وقت التفاوض حتى يتمكن من طباعة أكبر قدر من العملة (مليار يورو) والفرار بها. وقد نجح فى المهمة وفرَّ بما استولى عليه وأفراد مجموعته إلى خارج إسبانيا.
تستطيع أن تكتشف أن البروفيسور وأفراد مجموعته لم يعتبروا أنفسهم لصوصاً، بل مجموعة من الشباب المحتجين على أداء مؤسسى ظالم. فى حوار كاشف بينه وبين المحققة التى تولت مهمة التفاوض معه ثم وقعت فى غرامه قال لها إنه يفعل مثلما فعل البنك الأوروبى حين طبع على مدار 3 أعوام (من 2011 إلى 2013) مئات المليارات من اليورو دون وجود غطاء لها وقد وقعت جميعها فى حجر الأغنياء، وذكر أنه طبع ملياراً واحداً فقط، وأنه بجريمته لم يضر أحداً، بل يواجه المؤسسة الظالمة وأدوات الضبط التى تعتمد عليها. بعض الشباب المصرى الذى علق على هذا المسلسل على صفحات التواصل الاجتماعى عبَّروا عن إعجابهم بشخصية البروفيسور وما تمتعت به من ذكاء وقدرة على إدارة المجموعة التى عملت معه. لم يتوقف إلا القليل منهم أمام الفعل المجرّم الذى ارتكبه ومجموعته (فعل السرقة وترويع آمنين)، أحدهم اعتبر المسألة نضالاً ومقاومة، وتوقف طويلاً أمام الأغنية التى ختم بها الجزء الأول من المسلسل، أغنية «بيلا تشاو»، وهى أغنية شهيرة من الفلكلور الإيطالى رددها المناضلون ضد الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية. نحن أمام جيل لا يرى فى المؤسسة أكثر من «بيت من ورق»!.