بقلم: د. محمود خليل
التمرد على المؤسسة من السمات التى جمعت تحت مظلتها العديد من الأداهم من مفكرى القرن العشرين. فأغلبهم كان متمرداً على المؤسسة بدرجة أو بأخرى. طه حسين على سبيل المثال تمرد على الأزهر وما أصاب العقل الأزهرى من جمود، أبعده عن التجديد، وخاض فى هذا الاتجاه معارك معروفة. كما شكَّل كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» محاولة للتمرد على تقليدية مؤسسة الثقافة والتعليم. «العقاد» أيضاً كان كذلك، فقد تمرَّد على مؤسسات التعليم النظامى، واجتهد فى تعليم نفسه بنفسه. التمرد قيمة تؤدى إلى مواجهة السلبيات وتحويلها إلى إيجابيات، وبالتالى فله وجه إيجابى إذا كان من أجل الإصلاح والتطوير، يقابله وجه سلبى فى الحالات التى يتحول التمرد فيها إلى نوع من المكايدة أو محاولة تحطيم المؤسسة، أو «تمرد من أجل التمرد».
التجربة الأدهمية لسيد قطب فى التمرد على المؤسسة كانت مختلفة، فهو يحكى فى كتاب «طفل من القرية» أنه تمرد على المدرسة خلال الأيام الأولى لالتحاقه بها. وهو تمرد طفولى عادى، لكن الشاهد فى هذه التجربة أن سيد قطب تحوَّل بعد ذلك إلى مدافع شرس عن المدرسة فى مواجهة الكتاتيب. نحن أمام شخصية تتحمس للأشياء بسرعة وينطفئ حماسها لها بسرعة أكبر. فى اعترافاته المعنونة بـ«لماذا أعدمونى؟» يسجل سيد قطب أنه لم يكن له صلة بالإخوان قبل ثورة 52، ونفى أن يكون الإهداء الذى تصدّر كتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» مغازلة لهم. والمتأمل لما حكاه «قطب» فى هذا الاتجاه سيجد أنه أراد أن يقول إن الإخوان هى التى انضمت إليه وليس العكس، وكأن لسان حاله أراد القول إنه يرفض أن يكون جزءاً من كل، لأنه يرى أنه نسيج وحده، ورغم ما أبداه من احترام للجماعة وأدوارها، فإن سعيه إلى تشكيل تنظيم 1965 دليل على أنه أراد أن ينشئ مؤسسته الخاصة التى يذوب فيها الجميع فى شخصه.
القارئ لكتاب «معالم فى الطريق» يجد أن تمرد «قطب» لا تحده حدود. فهو يعلن تمرده على الدولة وفكرة الدولة الوطنية، ويرى أن الأمة هى أساس الانتماء، ثم يتمرد على الأمة نفسها وينعت أهلها بجاهلية من نوع خاص تتجلى أبرز مظاهرها فى البعد عن الإسلام بمفهومه الخاص، ومن الأمة ينتقل إلى العالم فيتمرد عليه ويتهمه بمعسكريه الرأسمالى والاشتراكى بالجاهلية وضياع القيم والاستغراق فى المادة. التمرد فى حياة سيد قطب قناعة راسخة امتد إلى حياته الشخصية فأبى الانضمام إلى مؤسسة الزواج، رغم مروره بتجربة حب من نوع غريب، كان غريمه فيها ضابطاً تعلق به قلب فتاته التى أحبها والتى كان يكبرها فى السن بعشر سنوات. أيضاً تحدث «قطب» فى «المعالم» عن التمرد على مؤسسة الأسرة وأن العضو الذى ينضوى تحت فهمه الخاص للإسلام لا بد أن ينفصل عن أسرته الأدهمية التقليدية بالروح والعقل، وأن يفهم أن أهله الحقيقيين هم أعضاء التنظيم الذى ينتمى إليه، واستدل على ذلك بمجموعة من الفهوم الخاصة لبعض الآيات القرآنية.