بقلم: محمود خليل
لم تكن علاقة المصريين بحسنى مبارك تميل إلى الإيجابية، كما كان شأنهم مع الرئيس عبدالناصر، وكذا لم تكن تميل إلى السلبية، كما كان حالهم مع أنور السادات. مشاعر المصريين نحو حسنى مبارك يمكن وصفها بالحياد. مشاعرهم نحوه كانت عائمة؛ لا هى بالسلبية ولا هى بالإيجابية. الإجابة الأكثر تداولاً على ألسنة المصريين عند السؤال عن أحوالهم أيام «مبارك» هى: «عايشين»!. بغض النظر عن كينونة المعيشة، أو درجة رضائهم عنها، أو غضبهم منها. فالمحايد لا يعرف الرضا أو الغضب، إنه «بين بين».
عندما ذهب المرحوم الدكتور صوفى أبوطالب إلى «مبارك» لينبئه -بعد أيام معدودات من استشهاد الرئيس السادات- بأن مجلس الشعب قد اختاره خليفة لـ«السادات»، وقرر استفتاء الشعب عليه، علّق «مبارك» على ذلك بجملة معبرة للغاية، إذ قال له: «آدينا كلنا مع بعض والمركب تمشى». تلك كانت معادلة الحكم أيام «مبارك». فقد راضى الجميع. اختار عدداً من رجال الدولة جعلهم مسئولين عن إدارة العديد من الملفات، وأياً كان اختلافنا أو اتفاقنا حول بعض الرجال الذين أحاطوا بـ«مبارك» فقد كانوا يمتازون بقدرات ومهارات خاصة فى إدارة ما يوكل إليهم، طبقاً لتوجيهات الرئيس بالطبع. أفسح «مبارك» المجال أمام رجاله للعمل، وأيضاً للفوز ببعض الأنصبة!. ليس ذلك وفقط فقد أطلق شرارة الانطلاق لمجموعة رجال الأعمال الذين استفادوا من عصره أشد الاستفادة، لكنهم فى الوقت نفسه قدموا له خدمات محسوسة عندما كان يحتاج منهم إلى ذلك، والأمر نفسه ينطبق على رجال المعارضة، فقد أتاح لهم «مبارك» مساحة محسوبة للوجود على الساحة، ولن ينسى له أحد أيضاً أنه منح الإخوان فرصة للوجود والعمل وأفسح لهم الطريق -بسياسة محسوبة أيضاً- لدخول مجلس الشعب، وترك لهم الساحة مفتوحة على مستوى النقابات بطريقة تستلفت النظر!. اعتمد «مبارك» على معادلة «كله يشتغل.. بس تحت باطى».
رضى «مبارك» أيضاً بأن يعيش الشعب فى «ديل الحكومة»، فلم يحاول إزعاجه اقتصادياً، بغض النظر عن التأثيرات السلبية لذلك. ليس ذلك وفقط، فقد كانت ثمة مساحة متاحة للفساد الشعبى جنباً إلى جنب الفساد الرسمى. وعاش بعض المواطنين فى أيامه بدخلين: دخل رسمى يحصل عليه من عمله أو وظيفته، ودخل موازٍ يتحصل عليه عبر «التهليب»، أو استغلال الوظيفة، أو بأى صورة أخرى من صور الفساد.
عبارة قالها محمد حسنين هيكل ذات مرة تلخص لك كيف ارتسمت نقطة النهاية فى رحلة «مبارك» فى الحكم، حين وصف نظامه بأنه «نظام شاخ فى موقعه». إنها الشيخوخة. فقد شاخ «مبارك»، وشاخ رجاله، وشاخ نظام حكمه، وأصبحت الأيدى أكثر ارتعاشاً وأقل قدرة على السيطرة، وامتدت أيدٍ شابة جديدة لم تكن تعوزها القوة، لكنها كانت مفلسة على مستوى القدرات والمهارات، كما كانت الحال بالنسبة لمن أحاطوا بـ«مبارك». هنالك كانت النهاية بعد أن فقد النظام صلاحيته أو قدرته على الاستمرار. الإنسان يستطيع أن يعاند كما شاء وكيفما شاء، لكن هيهات أن يعاند الزمن.