بقلم: د. محمود خليل
نحن أمام جيل من الشباب يفضل أغلبه الحياة فى الهواء الطلق بريئاً من أية قيود مؤسسية. وأولى المؤسسات التى تمرد عليها الجيل هى مؤسسة الأسرة. الكثير من الشباب المعاصر لا يؤمن بسلطة الأب أو الأم، سواء بالمفهوم الأدبى أو المادى. فمن الناحية الأدبية يعتبر الشباب أن الآباء والأمهات لا يفهمون لغة العصر ولا الظرف الذى تعيش فيه الأجيال الجديدة، ومن أبسط أبجدياتها سقوط فكرة «الأسرة». الجيل الحالى من الشباب لا يماثل جيل الآباء الذين كان أكبر حلم لهم وهم شباب «الزواج وتكوين أسرة». هذه المسألة آخر ما يأتى على بال الشباب والفتيات حالياً. فالشاب يفضل الحياة خالياً بعيداً عن أى مسئوليات، وإذا رزقه الله بدخل من عمل أو خلافه فهو يفضل أن ينفقه على متعته الشخصية، والفتيات يفكرن بنفس الطريقة، خصوصاً إذا كنَّ من بنات الطبقة الوسطى، فالأب ينفق ولا حاجة لزوج يتحكم ويعكر المزاج أو أطفال يفرضن عليهن تحمُّل مسئولية.
كلمة «صاحبى» و«صاحبتى» من الكلمات العادية التى تتردد على ألسنة الجيل المعاصر من الشباب. فالبنت يمكن أن يكون لها صاحب، والولد يمكن أن يكون له «صاحبة» عادى جداً. و«الصحوبية» هنا تتجاوز الصداقة بمفهومها الناضج الذى عرفته الأجيال السابقة. نمط العلاقات بين الجنسين الذى يحكم أبناء الجيل الحالى يختلف جملة وتفصيلاً عن النمط الذى ساد بين الأجيال السابقة، فهو أقرب إلى النمط الغربى بما يميزه من حرية وانطلاق، مع الأخذ فى الاعتبار أن درجة هذه الحرية وذاك الانطلاق تختلف من شباب طبقة إلى أخرى تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية. من حين إلى آخر نواجه وقائع وحكايات تدلل على التوجه الجديد. لعلك سمعت على سبيل المثال عن موضوع «سنجل مازر»، الذى تدافع عنه بعض الفتيات وارتبطت به قضايا منظورة أمام المحاكم، وتدافع صويحبات هذا التوجه عن الحق «الإنجاب خارج مؤسسة الزواج»، ويستندن فى ذلك إلى واقع عام يؤكد أن الكثير من الأسر تعولها الأم بصورة كاملة بسبب غياب الأب، وأن هذا النمط من الأمهات هن «سنجل مازر» أيضاً.
أفكار كثيرة تروج بين الشباب تؤكد أن القيمة التقليدية للأسرة لم تعد كما كانت، ويشهد على ذلك تراجع معدلات الزواج وارتفاع نسب الطلاق بين أبناء الجيل الحالى، وهو ما تؤكده الإحصاءات الرسمية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الشباب يتبنى مفاهيم جديدة للأسرة وللشكل الذى يمكن أن تكون عليه مثل شكل «السنجل مازر» فسوف نخلص إلى أننا أمام جيل يفكر بشكل مختلف عندما ينظر إلى مؤسسة الأسرة، وهو الكثير من الأحوال لا يميل للخضوع لسطوتها، والانطلاق بعيداً عنها، وعدم الارتباط بها إلا كممول اقتصادى لاحتياجاته. وهنا تظهر مفارقة شديدة العجب فى تركيبة الجيل الحالى من الشباب الذى يميل إلى التعامل الانتقائى مع المنتج الثقافى الغربى (العولمى) فيأخذ بعض الأفكار ويتبناها ويحاول أن يعيش بها، ويعزف عن أخرى مثل الاعتماد الكامل على الذات -بعيداً عن جيوب الآباء والأمهات- بمجرد بلوغ سن 18 سنة (المجتمع الألمانى نموذجاً)!.