بقلم: د. محمود خليل
مع حلول العام الأخير من الفترة الأولى لحكم «مبارك» لـ«الأدهمية» كانت المشكلة الاقتصادية فى مصر قد وصلت إلى ذروة التعقيد. وكان السبب فى ذلك تراكم الديون. فمنذ أن اتبع «السادات» سياسة الباب المفتوح وترخّص فى الاستدانة من الخارج، زادت أرقام الدين وأرقام خدمة الدين بصورة كبيرة، توازى ذلك مع عجز اقتصادى محسوس عن تحقيق عوائد كافية من النقد الأجنبى تساعد فى السداد. وقد ضاعف «مبارك» من المشكلة وبالغ فى الاستدانة، فقفزت أرقام الدين الخارجى من 21 مليار دولار عندما تسلم الحكم لتصل مع بداية مدته الثانية إلى (49 مليار دولار)، أضف إليها الديون الداخلية.
وأمام هذا الوضع، تم تدشين حملة للتبرع لسداد ديون مصر، ودعيت كل فئات الأداهم للمساهمة فى المشروع الوطنى الكبير. وبالفعل بادر كبار الأداهم ممن يحبّون التقرّب للسلطة إلى التبرع. وبدأ رأس كل مؤسسة أدهمية يدعو العاملين فيها إلى التنازل عن جزء من مرتبهم لسداد ديون مصر. وقد تراوحت ردود فعل «الأداهم الصغار» ما بين قبول الفكرة ودعمها والمساهمة فيها، وبين رفضها والتهرب من الدفع بكل السبل الممكنة. وتدل العديد من المؤشرات على أن الغالبية العظمى من متواضعى الدخل رفضوا المبادرة، لأسباب مفهومة، فلم يكن فى جيوبهم أى فائض للتبرّع، ولم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا النكات حول الأرقام المدين بها كل «أدهم» بعد قسمة إجمالى الدين على عدد المواطنين. وقد بادر أحد كبار كتاب الكوميديا حينها -وهو الكوميدى الشهير يوسف عوف- إلى تأليف حلقة ضمن سلسلة حلقات برنامجه الإذاعى «مش معقول» حول سداد ديون مصر، قام ببطولتها المبدع الراحل حسن عابدين.
كانت الأمور قد بلغت حداً من التفاقم الذى يستدعى تآزر المجتمع الأدهمى ككل حتى يحل المشكلة، لكن صغار الأداهم لم تكن بيدهم حيلة، وكانوا مقتنعين بأن كبار المتبرعين يعطون، وثمة حاجة فى أنفسهم، وأنهم ليسوا أكثر من مستثمرين مع السلطة. فهم يعطون بالشمال ليأخذوا باليمين أضعاف ما أعطوا فى صورة مكاسب ومغانم ينوء بحسابها عقل الأدهم الصغير. كانت الأسعار ترتفع نتيجة زيادة معدلات التضخّم التى تسبب فيها زيادة الديون وشح النقد الأجنبى، وفى الوقت نفسه كانت البنوك تعانى من توجّه الأموال التى يُفترض أن تأتى إليها من المودعين إلى شركات توظيف الأموال، تلك الشركات التى تحولت إلى دولة داخل الدولة ونجحت فى جذب أموال الأداهم بصورة فاقت كل تصور، وتجد تفسيرها فى الطبيعة الأدهمية، التى تميل إلى الكسل وتؤثر التمدّد المريح على السعى فى الحياة، وفى الوقت نفسه تنشد الأرباح الكبرى السريعة. لعب أصحاب الشركات على هذا الوتر الأدهمى فاجتذبوا الكثيرين. كان الأدهم من هؤلاء يلقى بحصائد يديه إلى «الريان» و«السعد» وينتظر الفوائد الخيالية التى سوف يحصل عليها، واستمر الحال على ذلك النحو حيناً حتى اكتشفت الأداهم الكسولة أن ما يُدفع لهم مجرد جزء يسير من أصل مالهم، واستيقظوا على ضياع «شقا عمرهم».