بقلم:محمود خليل
الآية الكريمة التى تقول: «وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود» جاءت فى وصف الفتية الذين ضرب الله على آذانهم فى الكهف سنين عدداً، ثم بعثهم بعد أكثر من 300 عام. أحياناً ما يعيش البعض حالة الكهف وهو يسعى خارجه، ويدب بقدميه فى دنيا الله. للمصريين مثلٌ لافت فى وصف هذه الحالة حين ينعتون شخصاً بأنه «ميت بالحياة»، ويقصدون به البشر الذين يتحولون إلى جثث وهم على قيد الحياة. مثل من يسير وهو نائم، ينظر إليه المرء فيحسبه يقظاً لكن لو دقق النظر فيه فسيجده يغط فى نوم عميق. أبرز ملمح لـ«السائرين نياماً» تجده فى حناجرهم التى تعشق ترديد الأكاذيب، أو فى آذانهم المولعة بسماعها. الصورة البديعة التى رسمتها الآية القرآنية من سورة الكهف لـ«الأيقاظ الرقود» لا تنطبق على أصحاب الكهف فقط، بل يصح أن تنسحب على غيرهم ممن تحسبهم أيقاظاً وهم رقود.
أداء نسبة لا بأس بها من زعماء العالم الإسلامى -وكذا قسم من شعوبه- ينطبق عليهم هذا الوصف. فعندما تنطلق الحناجر مهددة ومتوعدة عدواً يقتاتون على عطائه الحضارى وإبداعه التكنولوجى، فلا بد أنها تسكن أجساداً يحسبها الناظر فى حالة يقظة وحقيقة الأمر أنها ترقد فى بئر عميقة من السبات. لو أنك راجعت على سبيل المثال زخات التهديد والوعيد التى انطلق بها لسان السيد حسن نصر الله، ومن بعده الرئيس الإيرانى حسن روحانى للولايات المتحدة الأمريكية ولقواتها التى تسكن المنطقة العربية فستجد نماذج شاخصة على حالة «الأيقاظ الرقود». فالواقع على الأرض يقول إن إيران ردت رداً محسوباً على مقتل قاسم سليمانى، وأساس الحساب فيه عدم استفزاز «ترامب» -الذى لا يأمن أحد خطواته- للرد على الضربة. المسألة كانت واضحة والحناجر التى تردد غير ذلك تعبر عن بشر يعيشون تلك الصورة التى نسجها القرآن الكريم.
تعال بعد ذلك إلى رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، ومناصريه وستجد أنهم غارقون حتى آذانهم فى حالة «الأيقاظ الرقود». فالرجل -ومن يحذو حذوه- يتحرك بحلم يرقد فى متاحف التاريخ، ويداعب مخيلته ذكرى الراحلين من سلاطين بنى عثمان. يخطط «أردوغان» لسيطرة الترك على العرب، وإحياء ذكرى أجداده أرطغرل وسليم شاه وسليمان القانونى وبايزيد وغيرهم. إنه يبحث عن حلم ميت، وإذا كان يصدق نفسه أو يصدقه أحد. فإن هذا الجمع من البشر يصح بأن نصفه بـ«الأيقاظ الرقود».
لقد عشنا فى مصر أيضاً هذه الحالة قبل نكسة 1967 خلال الفترة التى بُحت فيها الحناجر متحدثة عما تمتلكه مصر وما يحوزه العرب من إمكانيات للقوة والردع وصدّق أغلب من عاصروا هذه المرحلة ما يقال، ثم كانت النتيجة كما نعلمها جميعاً. اختلف الأمر بعد ذلك عندما عشنا لحظة حياة حقيقية فى 6 أكتوبر عام 1973 عندما كانت اليقظة تلف كل شبر من تراب هذا البلد، وكانت أعين الناس مفتوحة عن آخرها ووعيهم فى أعلى درجات الحدة. وكانت لحظة اليقظة معادلة للحظة النصر، فالراقدون لا ينتصرون فى معارك الحياة، لأنهم يغردون -بأوهامهم- خارجها!.