بقلم: د. محمود خليل
مع مطلع كل عام جديد يقف الإنسان حائراً أمام ذلك المجهول القادم الذى لا يعرف عنه شيئاً، فأى فرد يعرف تاريخه كل المعرفة، لكنه يجهل مستقبله أشد الجهل، لذلك فهو لا يبخل بأذنه عن الاستماع إلى من يحدّثه عن هذا المستقبل، ويفيده ببعض التوقعات عن مساراته وتطوراته، خصوصاً إذا كان لديه ما يخاف عليه!. فأكثر من يقتلهم الشوق إلى معرفة القادم هم هؤلاء الذين يخشون على ما فى أيديهم، لذلك نجد أن أكثر «زباين» المنجمين والعرافين فى العصر الذى نعيش فيه هم من الفنانين ولاعبى الكرة ونجوم السياسة والمجتمع، وبذلك فقد اشتركت كتيبة بنى آدم بشتى صنوفها ومستوياتها فى الوقوف خلف ذلك الطابور الطويل الذى يقف أمام أبواب العرافين والمنجمين، فلغة العجز هى أكثر اللغات انتشاراً فى العالم، والإحساس بقلة الحيلة وعدم القدرة على السيطرة على المستقبل تجعل العالم والجاهل والغنى والفقير والمثقف والمسطح سواء فى البحث عن إجابة لأسئلتهم حول الآتى.
ومع أواخر شهر ديسمبر وأوائل شهر يناير من كل عام ينشط العرافون والمنجمون فى وضع توقعاتهم حول العام الجديد، وتبدأ أجهزة الإعلام فى ملاحقتهم من أجل الحصول على السبق، بل تجد بعض النوافذ الإعلامية تفخر بأنها سبقت إلى الحديث إلى «فلان» من العرافين الذى توقّع بموت «علان» (قد يوافيه الأجل أو لا). وهكذا تجد أن الغرام والشوق إلى كشف المستقبل غريزة تحاول وسائل الإعلام استثمارها بشتى الطرق، لذلك فلم تعد هذه المادة مقصورة على الشهرين الأول والأخير من كل عام، بل أصبحت المسألة رائجة على مدار أشهر العام كلها، فأنت لا تقف أمام قناة تليفزيونية ولا تفتح صحيفة من الصحف أو موقعاً من المواقع إلا وتجد مادة تتناول الأبراج وحركة الكواكب والنجوم وتأثيرها على مستقبل الفرد وحياته القادمة.
قبل وفاة الأميرة «ديانا» تنبأ بعض العرافين بالحدث، وقد وقعت الواقعة بالفعل وتوفيت. وهى من المرات القليلة التى يصدف ويتحقق فيها توقع، لكن فى أغلب المرات تخاصم الصدفة العرافين. أواخر 2005 -على سبيل المثال- توقع المنجم التونسى «حسن الشارنى» أن يشهد عام 2006 اغتيال الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج بوش»، ووفاة كل من الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة. والأول كما تعلم ما زال حياً يرزق رزقاً وفيراً، والثانى ترك الحكم منذ ما يقرب من العام ولم يزل قادراً على الصمود فى وجه المرض (شفى الله تعالى الجميع). من مات منذ أيام هو قايد صالح رئيس أركان حرب الجيش الجزائرى بعد ساعات من تنصيب «تبون» رئيساً للدولة الشقيقة.
أغلب العرافين الذين اكتسبوا شهرة عالمية يعملون داخل دوائر مصالح معينة. وبعض توقعاتهم قد لا يكون مصدرها ما يلكلكون به من أحاديث عن النجوم والأبراج، بل قد تكون خارجية المصدر. فى كل الأحوال سيظل البعض متمسكاً بكلام العرافين والمنجمين، فى محاولة لفض أسرار الآتى. وقديماً كان أينشتاين يقول: «قد ضللنا.. فالعالم الحقيقى ليس الذى ظننا».