بقلم: د. محمود خليل
أبناء كل زمان يظنون أن زمانهم هو «آخر الزمان». خلال الفترة الأخيرة لاك البعض كلاماً لا يخلو من بعض الإثارة وكثير من اللطف، يشير إلى ظهور العديد من العلامات والأمارات على أننا نعيش هذه الأيام ما يطلق عليه «آخر الزمان»، وأن القيامة توشك أن تقوم. علامات وأمارات يتعلق بعضها بانتفاخ القمر وتورده، والحمرة التى تكسو الغلاف الجوى، والرياح الصفراء التى تلف الدنيا، والجراد الزاحف على الخضار، والطير الأبابيل «اللى مش عارف ظهرت فين»، وثرثرات أخرى لا تنتهى من هذا النوع.
ظنى أن المصريين أكثر غراماً من غيرهم بفكرة نهاية الزمان، ويبدو أن ذلك مرتبط بطول مكوثهم على الأرض، فنحن شعب يمد بجذوره فى أعماق التاريخ لآلاف السنين. وطول البقاء يدفع الإنسان فى أحوال القلق والاضطراب إلى طرح سؤال حول النهاية: متى وكيف تكون؟. أذكر أننى حكيت لك طرفاً من تاريخ مصر الحديثة والمعاصرة، منذ مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر ثم تجربة بناء الدولة الحديثة فى عصر محمد على وما بعدها. وقلت لك إن الحديث عن نهاية الزمان كان من الموضوعات المطروحة على أجندة اهتمامات المصريين فى حقب مختلفة من هذا التاريخ. فعندما ضربت مدافع نابليون حصون القاهرة المملوكية، ظن البسطاء من أبناء شعبنا أنها النهاية وأن القيامة توشك أن تقوم.
وتعيين يوم معين لوقوع الواقعة وتداول شائعات الميعاد بين المصريين كان ظاهرة من الظواهر التى كانت تظهر وتختفى عبر مراحل مختلفة من تاريخهم. كذلك أيام كانت تضربهم الأوبئة مثل الطواعين والكوليرا وخلافه، كان الناس يتداولون فيما بينهم أن ما يحدث دليل على نهاية الزمان، وقس على ذلك فى حالة وقوع زلازل، أو هبوب ريح عاصفة، أو اصفرار الدنيا أو احمرارها، أو خسوف القمر وغيره، رغم أن هذه الظواهر كانت متكررة على مدار حياة الأجيال المختلفة.
أبناء كل زمان يظنون أن زمانهم هو آخر الزمان، كما ذكرت لك، وذلك دأب الأجيال المختلفة من المصريين، خصوصاً عندما تواجههم أزمات أو محن كبرى يشعرون أمامها بالعجز وقلة الحيلة. وواقع الحال أن المولى عز وجل هو المالك الوحيد لمفاتح الغيب «وَعِندهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ». وأخطر هذه المفاتيح وأولها يتعلق بموعد الساعة: «إِنَّ اللَّهَ عِندهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». والله تعالى يقول عن ذاته العلية: «ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحداً». وترتيباً على ذلك فإن أى حديث أو كلام عن «آخر الزمان» لا يعدو اللغو أو الثرثرة الفارغة، وإن وجد مثل هذا الخطاب جمهوراً يسمعه أو يتفاعل معه فاعلم أنها ثقافة الأزمة، والإحساس البشرى الداهم بالعجز أمام ابتلاءات الدنيا. وظنى أن من تمكن الإيمان من قلبه وتدبر آيات القرآن الكريم وفهم معانيها لن يسلّم سمعه ولا بصره ولا عقله لمثل هذه الترهات.. الناس تعقل شوية!.