بقلم: د. محمود خليل
مكان النقط فى عبارة «....... الفيلمى» يمكن أن تضع العديد من المفردات الكاشفة عن حال المصريين. يمكن أن تضع كلمة خيال لتصبح «خيال فيلمى» أو كلمة «علاج» لتصبح «علاج فيلمى»، أو كلمة «دعاء» لتصبح «دعاء فيلمى» وهكذا بإمكانك أن تختار ما شئت من مفردات وسوف تجد العبارة التى تنشأ عنها ملامسة لشىء ما فى حياتنا وما يعتريها من أحوال.
عندما تسمع عبارة «خيال فيلمى» من الوارد أن يتبادر إلى ذهنك موضوع «الخيال العلمى». ذلك الموضوع الذى لا يتمتع بأى حضور محسوس سواء على مستوى الدراما التمثيلية أو السينمائية، لأننا ببساطة لا نملك العلم حتى نعمل فيه خيالنا. والنتيجة أن يجنح العقل إلى الخيال الفيلمى. شبابنا يقرأون على مواقع التواصل الاجتماعى عن رجل الأعمال هذا أو ذاك الذى تمكن من تحقيق ثروة مليارية عبر فكرة بسيطة ابتكرها، فيبدأ فى التوهان والسرحان ورسم الخيالات حول الفكرة التى يمكن أن يصنع بها تجربة شبيهة تجلب له المليارات لتحوله من حال إلى حال، دون أن يدرك أن النجاح أساسه التراكم والسعى الحثيث، وأن الأفكار اللامعة تولد من رحم العلم والخبرة والتجارب العديدة التى مر بها الإنسان، وأنها تحتاج بعد ميلادها إلى بحث جدواها ثم تعهدها بالرعاية حتى تؤتى أكلها. الأسهل بالنسبة للبعض هو التوهان فى الموضوع وقتل الوقت فى الحديث عن أنه يمكث تحت الشجرة فى انتظار أن تأتيه الفكرة، مثلما أتت نيوتن ذات يوم عندما سقطت عليه تفاحة من شجرة كان يجلس تحتها فاكتشف قانون الجاذبية الأرضية، وكأن الجلوس تحت الشجرة كان مبلغ علم نيوتن فى الفيزياء!.. إنه الخيال الفيلمى.
تعالَ أيضاً إلى مسألة «العلاج الفيلمى». للأسف ما زال البعض يجرى وراء الإعلانات المنتشرة على قنوات «بير السلم» حول الأدوية التى تعالج هذا المرض أو ذاك، وتجعل من البوصة عروسة، ومن البدين سمارت، ومن العليل حصاناً يطوى الأرض تحت حوافره. ليس ذلك وفقط بل هناك من يتفاعل مع الإعلانات التى تقدم الوصفات السحرية فى حل المشكلات، بغض النظر عن طبيعتها. فالشيخ الفلانى أو الشيخة الفلانية تستطيع جلب الحبيب ورد الزوج وتزويج من يريد، وتعيين العاطل، وإلباس الحق ثوب الباطل وغير ذلك. هذه الإعلانات تخاطب بؤرة «الخيال الفيلمى» التى تتحكم فى عقل البعض، لذا تجدها تعتمد على الحوارات والمواقف التمثيلية التى يظهر فيها بشر عاديون يحملون البشرى بالحل لمن يعانى من مشكلة ويشحنون بطارية خياله ليغرق فى موضوع «العلاج الفيلمى» حتى يقرر شراء الدواء أو المستحضر.
أما «الدعاء الفيلمى» فحدث عنه ولا حرج ومؤكد أنك سمعت أو شاهدت ألحاناً وصوراً له، حين يعلو صوت الإمام بالدعاء ثم يتهدج بالبكاء، ويتلون بالدموع والنشيج، ومن ورائه مجموعة من المؤمنين الذين يستجيبون لأداء الإمام ويغرقون معه فى حالة «الدعاء الفيلمى» رغم أن الله تعالى قريب يجيب دعوة الداعى إذا دعاه وليس بحاجة إلى صراخ أو بكاء. كان خليل الله إبراهيم يقول «علمه بحالى يغنى عن سؤالى». لم تكن الأفلام وقتها معروفة!