بقلم: د. محمود خليل
فى تغريدة موجهة إلى العراقيين نادى الرئيس الأمريكى ترامب العراقيين قائلاً: «إلى العراقيين الذين يريدون الحرية.. هذه فرصتكم للتخلص من سيطرة وهيمنة إيران».
التغريدة ترافقت مع النار المشتعلة فى حرم السفارة الأمريكية ببغداد -يوم الثلاثاء الماضى- بعد أن تمكن مئات المحتجين من اقتحام المنطقة الخضراء. أغلب من حملوا مشاعل الحرق كانوا من ميليشيا حزب الله العراقى والحشد الشعبى والتيارات الشيعية الأخرى التى تعج بها العراق، وقد فعلوها رداً على مصرع عناصر من «الحشد الشعبى» على الحدود مع سوريا بمعرفة الأمريكان. فبمجرد أن انتهوا من مراسم دفن ضحاياهم حتى تدفقوا إلى السفارة وأحرقوها.
بدت تويتة ترامب وكأنها تغريد خارج الواقع أو المشهد. ولست أدرى أى عراقيين كان يخاطب وهو يردد هذا الكلام؟!. فمن أحرقوا السفارة تيارات يجمعها التوجه فى قِبلتها نحو طهران. ثم: مَن سلّم بغداد إلى الإيرانيين.. أليس الأمريكان أنفسهم هم مَن فعلوها بعد غزو العراق عام 2003؟. لقد علق أحد أعضاء الكونجرس الأمريكى على أحاديث «ترامب» بعد حرق السفارة قائلاً إن الرئيس الأمريكى أفقد واشنطن هيبتها فى المنطقة، وإن سياساته الخاطئة هى التى جرّت الولايات المتحدة نحو هذا المنحدر. وبعيداً عن هذا التراشق قرر «ترامب» إرسال قوات من المارينز لحماية السفارة، فى وقت يطالب فيه المحتجون بإجلاء جميع القوات الأجنبية عن العراق.
اللافت فى هذا الحدث أن المنطقة الخضراء تعد من أكثر المناطق تأميناً داخل العراق، وترتفع معدلات التأمين أكثر وأكثر عندما تصل إلى حرم السفارة الأمريكية التى تستقر بهذه المنطقة. وثمة سؤال مطروح حول السهولة واليسر الذى استطاع به المحتجون النفاذ إلى السفارة ومعهم كافة أدوات الحرق ليثأروا لقتلاهم من الحشد الشعبى ويحرقوا الرمز الأمريكى الأكبر على أرض بغداد؟. الكثير من التقارير الإعلامية تشير إلى حالة الرخاوة التى سيطرت على الأمن العراقى فى التعامل مع الحدث. وهى رخاوة لا تتسق بحال مع العنف والدموية التى تعامل بها مع المحتجين من أجل تحسين الأوضاع المعيشية وإغلاق حنفية الفساد التى سممت الحياة فى العراق وأرهقت مواطنيه. لقد قُتل فى مظاهرات العراق أكثر من 450 مواطناً وجرح الآلاف. أغلب الظن أن المسألة مردها واحدة من اثنتين، إما «حالة رضاء» من جانب المسئولين العراقيين عما يحدث، أو «حالة خوف» من التعرض لميليشيا الحشد الشعبى. وفى الحالتين فنحن أمام حكومة لا تصلح!.
لن يستفيق العراق من الكبوة التى يعيشها منذ الغزو الأمريكى إلا عندما تخرج كل القوات الأجنبية منه، وترفع دول الإقليم وعلى رأسها إيران الوصاية عنه، وتختفى الحكومات التى يحمل أشخاصها بطاقات هوية عراقية لكنهم يعيَّنون خارج الإرادة الشعبية للعراقيين. فكل الأطراف التى تجمعت على قصعة هذا القُطر الشقيق أكلت شعبه ونهبت ثرواته.
وقد آن لها أن ترحل!.