توقيت القاهرة المحلي 11:33:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"أدهم" وسنوات التيه

  مصر اليوم -

أدهم وسنوات التيه

بقلم : محمود خليل

ثلاث سنوات بائسة عاشتها الأدهمية المصرية (من 1967 إلى 1970). النفوس قلقة محبطة، والقرارات مضطربة، والصراع على قمة السلطة على أشده، وهو الصراع الذى انتهى بوفاة المشير عبدالحكيم عامر. حوارات «الأداهم» تحولت إلى خناقات تحركها أتفه الأسباب، وصلحهم طفولى يتم بأهون الكلمات. غناؤهم نواح، كتاباتهم عويل وصراخ. لم تكن النفسية الأدهمية على ما يرام. خاضت مصر حرباً شريفة لاستنزاف العدو، ولتعلن للعالم أنها لن تستسلم.

صدرت الأحكام ضد قادة الطيران المسئولين عن نكسة 67 فى 20 فبراير 1968، وقابلها الشعب بقدر من الهياج عبّر عنه فى البداية بالنكات والكتابة على «الحيطان»، والأحاديث الغاضبة فى وسائل النقل العام، ثم اتجه إلى التظاهر فى الشوارع. يسجل «أحمد كامل»، أمين منظمة الشباب فى مذكراته، أن السلطة تعمدت نشر الأحكام فى جريدة المساء حتى لا يكتسب الخبر أهمية إعلامية فما كان من الناس العاديين إلا أن مزقوا الصحيفة فى وسائل النقل العام مثلما داسوها على الأرصفة. فى اليوم التالى 21 فبراير تحول الغضب المكتوم إلى صرخات معلنة أخذت شكل مظاهرات عارمة اجتاحت الشوارع.

حزن «الأداهم» كان عظيماً، ولم يقلل منه نجاح قواتنا فى إيلام العدو فى معارك الاستنزاف، بل زاد الوجع عندما ردت الدولة العبرية على ذلك بالضرب فى العمق المصرى من خلال طائرات الفانتوم الأمريكية واستهدفت عمليات العدو المدنيين المصريين، أطفالاً فى بحر البقر، وكباراً فى قصف مصنع «أبوزعبل». وكان لهذه الضربات صدى سيئ على نفوس الأداهم، فأعاد إلى ذاكرتهم مشاهد حروب سابقة عانوا من ويلاتها قبل نجاح الحركة المباركة فى التخلص من الملكية. أضيفت إلى مآسى الأداهم مأساة أخرى تمثلت فى «تهجير أهالى مدن القناة». كان «المهجّرون» يحملون فى نفوسهم حزناً عميقاً وجرحاً لا يندمل. فليس من السهل على «الأدهم» ترك المكان الذى وُلد ونشأ فيه ونمت فوق ربوعه شبكة آماله وأحلامه. استمع إلى أغنية «يا بيوت السويس» لمحمد حمام التى وثقت حالة الوجع الذى شعر به المهجرون المصريون حينذاك.

حاول جمال عبدالناصر أن يبرد الجسد الأدهمى البارد من خلال فتح الباب قليلاً أمام حرية الرأى والتعبير. تحدثت أقلام صحفية عن الحرية والديمقراطية. انطلق صناع السينما هم الآخرون نحو التعامل مع مجموعة من النصوص الكاشفة للأوضاع التى لحقت بمصر خلال الفترة التى أعقبت ثورة يوليو 52 وحتى النكسة. عام 1968 أنتج فيلم «أرض النفاق» الذى كشف حالة الفساد الخلقى التى ضربت المجتمع المصرى، وكيف أن الطمع فى المغانم وضياع الأخلاق هما أساس «مجتمع النفاق»، وأنتج أيضاً فيلم «القضية 68» الذى لمَّح إلى قضية الحرية «نفتح الشباك ولا نقفله»، وفيلم «المتمردون» عن رواية المبدع «صلاح حافظ» ويناقش فكرة الثورة على الظلم. وفى عام 1969 تعامل فيلم «شىء من الخوف» مع فكرة القهر الذى يمارسه المستبد ضد البسطاء، وزراعة الخوف داخل وجدانهم بصورة تحول بينهم وبين الانتفاض ضده. وفيلم «ميرامار» الذى نكأ الكثير من الجروح التى أصابت المجتمع المصرى بعد ثورة 52 والفساد الذى نخر فى الاتحاد الاشتراكى. وفى عام 1971 -بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر- ظهر فيلم «ثرثرة فوق النيل» الذى كشف الحال التى وصلت إليها النخبة وأفراد الشعب العاديون حين تحول الطرفان إلى مجموعة من المساطيل.

شاء الله أن ينتهى المشهد برمته أواخر عام 1970، ففى 7 أغسطس من هذا العام انتهت مواجهات الاستنزاف بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر بعد قبوله مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، وفى 28 سبتمبر من العام نفسه توفى الرئيس جمال عبدالناصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدهم وسنوات التيه أدهم وسنوات التيه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon