توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المناظر فى مواجهة القصة

  مصر اليوم -

المناظر فى مواجهة القصة

بقلم: د. محمود خليل

كانت نكسة يونيو 1967 سبباً -ضمن مجموعة أسباب قد نتوقف أمامها فيما بعد- فى الهزة النفسية التى أصابت المجتمع، فبعدها أصبح للتفاهة جمهور. هو ببساطة الجمهور الباحث عن اللاشىء بعد سنوات أدرك فيها حجم الكذب والمبالغة الذى كانت الأغنية تضعه فيه. فوق حنجرة عبدالحليم حافظ، وبإبداع الأبنودى وصلاح جاهين تشكل أكبر منشور سياسى مدافع عن سياسات وتوجهات الستينات، وأكبر بيان لحالة القوة والتحقيق والإنجازات التى تنعم بها مصر. مؤكد أن بعضها كان يعبر عن عمل حقيقى على أرض الواقع وأثر ملموس فى حياة الناس، لكن حجم المبالغة والكذب كان يغطى باستمرار على مساحات الصدق. وفى النهاية استيقظ المصريون على صوت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهو يعلن الهزيمة والتنحى.

الهزة النفسية التى ضربت قسماً لا بأس به من الجمهور فى ذلك الوقت جعلته يميل إلى التفاهة ليس فى مجال الأغنية أو الطرب وفقط، بل وفى مجال السينما أيضاً. وهو تحول أدركه كبار هذه الصناعة حينها فبدأوا يستجيبون له بصورة تدعو إلى الاستغراب. تحول خطير حدث فى صناعة السينما عند الانتقال من الستينات إلى السبعينات. ومن الممكن أن نستشهد فى هذا السياق بحالة واحد من كبار مخرجينا، وهو المبدع حسين كمال. كان المخرج الراحل واحداً من أكثر المهتمين باختيار أعماله من بين قصص كبار كتاب الأدب فى مصر، فهو صاحب فيلم «شىء من الخوف» عن قصة بنفس العنوان للكاتب «ثروت أباظة»، وفيلم «البوسطجى» عن قصة ليحيى حقى، وفيلم «المستحيل» عن نص لمصطفى محمود، وفيلم «نحن لا نزرع الشوك» عن قصة يوسف السباعى. أواخر الستينات أخرج حسين كمال فيلماً أحدث ضجة فى حينه بسبب غرابته، وهو فيلم «أبى فوق الشجرة» عن قصة لإحسان عبدالقدوس (قام المخرج بتعديلها خلافاً لنصها الأصلى كما أكد المؤلف). من عاصر هذا الفيلم وشاهده «سينما» يذكر رد فعل الجمهور المصرى عليه. حقق الفيلم أرقاماً كبيرة على مستوى المشاهدة والإيرادات، لكنه لم يبق فى ذاكرة الناس، أو مثّل علامة فى التاريخ الخصب للمخرج حسين كمال.

«أبى فوق الشجرة» شكّل التعبير الأهم عن التحول من سينما القصة إلى سينما المناظر. فبعد أن كانت المرأة الصلبة (فؤادة فى فيلم «شىء من الخوف»)، والأنثى المتمردة على التقاليد (جميلة فى فيلم «البوسطجى») أصبحت الراقصة (فردوس) هى البطلة. وبعد أن كانت القرية ومواقع الحياة العادية بالمدينة هى مسرح الأحداث، أصبح البلاج هو الأساس. التحول من القصة إلى المناظر تواصل إلى حد السيطرة على الإنتاج السينمائى والدرامى خلال العقود التالية للسبعينات -مع وجود استثناءات بالطبع- فأصبح المنتج غير مهتم بفكرة العمل أو ماذا يقول، بل ماذا ستنقل الصورة، وكيف ستدغدغ غرائز المشاهد الذى أصبح يعامل وكأنه طفل محدود العقل، أو سفيه يفكر بعينيه.

أذواق الناس مختلفة، هذا أمر لا خلاف عليه. والناس لا بد أن تجد التافه إلى جوار الجيد، أما أن تسيطر التفاهة فذلك هو جوهر الخطر. هذه نقطة لا بد أن نلتفت إليها. النقطة الثانية تتعلق بضرورة التفرقة بين المنتج الفنى الاستهلاكى، والمنتج الباقى. ولست بحاجة إلى تذكيرك بمغنين وأغانٍ وأفلام عديدة كسَّرت الدنيا حين ظهورها، ثم تحولت إلى مجرد فضلات لفظتها الذاكرة الجمعية التى لا تجيد الاحتفاظ إلا بما هو جيد ومفيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المناظر فى مواجهة القصة المناظر فى مواجهة القصة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon