بقلم: د. محمود خليل
مستقبل الاقتصاد العالمى أصبح مرتهناً بتطور خريطة انتشار فيروس كورونا. الهزة التى تعرّض لها الاقتصاد الصينى جرّاء ظهور الفيروس فى مدينة ووهان كان لها «تسميع» فى اقتصاديات العديد من دول العالم. واليوم بات الاقتصاد العالمى (العولمى) مهدداً أكثر من أى وقت مضى. الرحلات الجوية إلى الصين تكاد تكون معلّقة تماماً، باستثناءات قليلة، والدول الجديدة التى دخلت على خريطة الفيروس -مثل إيران- تم تعليق الطيران إليها من جانب بعض الدول، خصوصاً مع تزايد حالات الوفاة جراء المرض. تأثير انتشار «كورونا» على الاقتصاد العالمى ليس الأمر الوحيد الذى يسترعى النظر فهناك أمور أخرى تستحق التوقف أمامها.
من بين هذه الأمور انتقال موضوع «كورونا» من ساحة الاقتصاد إلى ساحة السياسة. ومناسبة ذلك الكلام الذى تردد على لسان أحد مسئولى الخارجية الأمريكية ويتهم فيه روسيا بترويج شائعات على مواقع التواصل تقول بأن الولايات المتحدة تقف وراء انتشار فيروس كورونا فى العالم، وقد ردت المتحدثة باسم الخارجية الروسية على ذلك بالتأكيد أن روسيا لم تفعل ذلك، وأن الولايات المتحدة هى التى تسعى إلى توتر العلاقة بين البلدين. الشائعة قديمة، وقد ظهرت منذ عدة أسابيع، ولم يتوقف أحد أمامها بالطبع، لأن العقل والمنطق يقولان إن الفيروس يهدد الأمريكان مثلما يهدد غيرهم، وبالتالى فقد عبّرت الشائعة عن أحد تداعيات العجز أمام إيجاد علاج للفيروس الخطير. والتراشق السياسى الحالى بين البلدين هو أيضاً جزء من هذا العجز، وما ترتب عليه من انفلات عصبى عالمى.
مؤخراً زحف فيروس كورونا إلى إيران وضرب مدينة «قم»، وهى إحدى المدن المقدسة لدى الشيعة، وهى المدينة الثانية على مستوى القداسة بعد مدينة النجف بالعراق. وتحتضن مدينة قم «الحوزة العلمية» فى إيران. زحف الفيروس على مدينة يدين أهلها بالإسلام ذكَّر البعض بحالة الشماتة التى بدت فى بعض التعليقات والتدوينات التى أغرقت مواقع التواصل على هامش ظهور المرض فى الصين، حين ردد البعض أن السماء تنتقم لما أصاب مسلمى «الإيغور» على يد الصينيين، وهو كلام فارغ من أى معنى. وقبل أن يذهب عقل أحد إلى التفكير فى أن الزحف الجديد للمرض نحو إيران يأتى كعقاب لها على ما تفعله فى المسلمين السنة أذكِّر بأن «كورونا» زحف نحو بعض المسلمين السنة وأصابهم.
من السذاجة أن يتعامل البعض مع جائحة من هذا النوع بهذا الأسلوب التغفيلى. فالناس شركاء فى المرض، مثلما هم شركاء فى الموت. الكل يتألم حين يمرض، والكل يلقى وجه ربه حين يأذن خالق العباد، وما عند غيرك اليوم قد يأتيك غداً. أولى بالبشر أن يتكاتفوا أمام الزحف المخيف لهذا الفيروس، لأنهم مهددون جميعهم به. إن أرقام القتلى والمصابين بفعل هذا الفيروس فى تزايد، ما يعطى مؤشراً أن منحناه ما زال فى الصاعد، ولا يعلم أحد حتى متى سيظل على حالة الصعود تلك، ليبدأ منحناه بعد ذلك فى التراجع، وبالتالى يجب على دول العالم إيقاف عداد الحسابات الاقتصادية، والابتعاد عن التراشقات السياسية غير ذات الجدوى والشماتات العقائدية السخيفة، والالتفات إلى البحث عن مواجهة حقيقية للمرض بعيداً عن مصالح الاقتصاد وضغائن السياسة وأمراض التعصب.