توقيت القاهرة المحلي 20:47:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العيشة الراضية

  مصر اليوم -

العيشة الراضية

بقلم: د. محمود خليل

فى بدايات حكم محمد على نعمت رموز الحركة الشعبية بأدوار محسوسة أنعشت إحساسه بذاته. فقد اعتاد الوالى أن يعود إلى المشايخ -وعلى رأسهم عمر مكرم- فى أى ضريبة جديدة يفرضها على الناس، وكانت مثل هذه الأمور تتم بالتفاهم بين الطرفين. «أدهم المصرى» كان سعيداً بذلك كل السعادة، لأنه تعود أن يفرح بتقليل الحمول التى تثقل كاهله حتى يتمكن من ممارسة هوايته المحببة فى التمدد. وقد قابل معروف الباشا بتخفيف أعبائه المعيشية بالدفاع عنه ضد محاولات الإطاحة به من جانب المماليك والسلطنة العثمانية.

وفى وقت يحكى فيه «الجبرتى» أن الأهالى هربوا بمالهم وأولادهم لما سمعوا بقرب وصول نابليون وحملته إلى القاهرة عام 1798، يحتفى المؤرخ الكبير بالدور الذى لعبه بسطاء المصريين فى مواجهة الحملة الإنجليزية عام 1807 فى وقت كان فيه محمد على منشغلاً بمطاردة المماليك فى الصعيد.

لم تدم شهور العسل بين الطرفين طويلاً. فقد كان الوالى يريد أن يضع كل السلطات فى يده حتى يتمكن من إنفاذ مشروعه النهضوى، وكان يعلم أن تدخل المشايخ فى كل صغيرة وكبيرة يغل من قدرته على الحركة واتخاذ القرار، لكنه لم يقدم على التحرك إلا بعد أن تهيأت الظروف وأخذت الظاهرة الشعبية تأكل نفسها من الداخل بفعل المنافسة والغيرة والحسد بين الزعامات، وكان عمر مكرم قبلة حقدهم لما ناله من المنزلة والرياسة، لكن يبقى أن التحول الأهم الذى أدى إلى المواجهة تمثل فى استيقاظ «أدهم المصرى» الكامن داخل نفس الشيخ عمر مكرم، عندما بدأت قرارات الباشا تضر بمصالحه.

فإرضاءً لرموز الزعامة الشعبية وعلى رأسهم عمر مكرم بادر محمد على إلى إعفاء أملاكهم وضياعهم وما دخل فى التزامهم من دفع ضريبة (الفائض) وكذلك شمل بهذا الإعفاء أملاك من ينتمون إليهم. انطلق «أدهم» وهو سعيد بهذا التمييز وأكثر من شراء الأراضى والمحاصيل من أصحابها المحتاجين، واغتر بالدنيا وافتتن بها. ووقعت المواجهة بين الطرفين عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية بالبلاد عام 1808 وفرض الباشا ضرائب جديدة على الناس، فهرع الأهالى إلى المشايخ يستنجدون بهم فخاطبوا الوالى فى الأمر فغضب وسخر منهم وذكر لهم أنهم أظلم للأهالى منه لأنهم كانوا يحصّلون منهم الضرائب التى أعفى أراضيهم والتزاماتهم منها.

تعقد الأمر أكثر وأكثر حين أصر أدهم المصرى الكامن داخل كل شيخ وعالم على الدفاع عن مصالحه بأى ثمن، فتنازعوا ودبت الفرقة بينهم، الأمر الذى يسر لمحمد على شراء بعضهم بالمصالح للسكوت عنه، أما من أراد أن يجمع بين الحفاظ على مصالحه والاحتفاظ بصورته لدى الناس كبطل شعبى، مثل الزعيم عمر مكرم، فقد تخلص منه ونفاه إلى دمياط.

ظل المصريون يتحركون بإشارة من أصبع من عمر مكرم أيام الحملة الفرنسية، وعندما هرب إلى خارج مصر خوفاً من سارى عسكر الحملة، كان المصريون متشوقون إلى عودته، ولما عاد قبيل خروج الحملة التف الناس حوله، وحتى تولى محمد على الحكم عام 1805 وما بعد هذا العام ظل عمر مكرم واحداً من الفاعلين الأساسيين داخل المشهد السياسى المصرى، لكن أحواله اختلفت عندما خرج «الأدهم» الكامن بداخله، فوجدناه ينظر إلى الأمور من زاوية الدفاع عن مصالحه وعيشته الراضية. وعندما قرر الوالى نفيه إلى دمياط لم يتحرك من أجله أحد وساد شوارع المحروسة هدوء عجيب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيشة الراضية العيشة الراضية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon