توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العيشة الراضية

  مصر اليوم -

العيشة الراضية

بقلم: د. محمود خليل

فى بدايات حكم محمد على نعمت رموز الحركة الشعبية بأدوار محسوسة أنعشت إحساسه بذاته. فقد اعتاد الوالى أن يعود إلى المشايخ -وعلى رأسهم عمر مكرم- فى أى ضريبة جديدة يفرضها على الناس، وكانت مثل هذه الأمور تتم بالتفاهم بين الطرفين. «أدهم المصرى» كان سعيداً بذلك كل السعادة، لأنه تعود أن يفرح بتقليل الحمول التى تثقل كاهله حتى يتمكن من ممارسة هوايته المحببة فى التمدد. وقد قابل معروف الباشا بتخفيف أعبائه المعيشية بالدفاع عنه ضد محاولات الإطاحة به من جانب المماليك والسلطنة العثمانية.

وفى وقت يحكى فيه «الجبرتى» أن الأهالى هربوا بمالهم وأولادهم لما سمعوا بقرب وصول نابليون وحملته إلى القاهرة عام 1798، يحتفى المؤرخ الكبير بالدور الذى لعبه بسطاء المصريين فى مواجهة الحملة الإنجليزية عام 1807 فى وقت كان فيه محمد على منشغلاً بمطاردة المماليك فى الصعيد.

لم تدم شهور العسل بين الطرفين طويلاً. فقد كان الوالى يريد أن يضع كل السلطات فى يده حتى يتمكن من إنفاذ مشروعه النهضوى، وكان يعلم أن تدخل المشايخ فى كل صغيرة وكبيرة يغل من قدرته على الحركة واتخاذ القرار، لكنه لم يقدم على التحرك إلا بعد أن تهيأت الظروف وأخذت الظاهرة الشعبية تأكل نفسها من الداخل بفعل المنافسة والغيرة والحسد بين الزعامات، وكان عمر مكرم قبلة حقدهم لما ناله من المنزلة والرياسة، لكن يبقى أن التحول الأهم الذى أدى إلى المواجهة تمثل فى استيقاظ «أدهم المصرى» الكامن داخل نفس الشيخ عمر مكرم، عندما بدأت قرارات الباشا تضر بمصالحه.

فإرضاءً لرموز الزعامة الشعبية وعلى رأسهم عمر مكرم بادر محمد على إلى إعفاء أملاكهم وضياعهم وما دخل فى التزامهم من دفع ضريبة (الفائض) وكذلك شمل بهذا الإعفاء أملاك من ينتمون إليهم. انطلق «أدهم» وهو سعيد بهذا التمييز وأكثر من شراء الأراضى والمحاصيل من أصحابها المحتاجين، واغتر بالدنيا وافتتن بها. ووقعت المواجهة بين الطرفين عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية بالبلاد عام 1808 وفرض الباشا ضرائب جديدة على الناس، فهرع الأهالى إلى المشايخ يستنجدون بهم فخاطبوا الوالى فى الأمر فغضب وسخر منهم وذكر لهم أنهم أظلم للأهالى منه لأنهم كانوا يحصّلون منهم الضرائب التى أعفى أراضيهم والتزاماتهم منها.

تعقد الأمر أكثر وأكثر حين أصر أدهم المصرى الكامن داخل كل شيخ وعالم على الدفاع عن مصالحه بأى ثمن، فتنازعوا ودبت الفرقة بينهم، الأمر الذى يسر لمحمد على شراء بعضهم بالمصالح للسكوت عنه، أما من أراد أن يجمع بين الحفاظ على مصالحه والاحتفاظ بصورته لدى الناس كبطل شعبى، مثل الزعيم عمر مكرم، فقد تخلص منه ونفاه إلى دمياط.

ظل المصريون يتحركون بإشارة من أصبع من عمر مكرم أيام الحملة الفرنسية، وعندما هرب إلى خارج مصر خوفاً من سارى عسكر الحملة، كان المصريون متشوقون إلى عودته، ولما عاد قبيل خروج الحملة التف الناس حوله، وحتى تولى محمد على الحكم عام 1805 وما بعد هذا العام ظل عمر مكرم واحداً من الفاعلين الأساسيين داخل المشهد السياسى المصرى، لكن أحواله اختلفت عندما خرج «الأدهم» الكامن بداخله، فوجدناه ينظر إلى الأمور من زاوية الدفاع عن مصالحه وعيشته الراضية. وعندما قرر الوالى نفيه إلى دمياط لم يتحرك من أجله أحد وساد شوارع المحروسة هدوء عجيب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيشة الراضية العيشة الراضية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon