بقلم: د. محمود خليل
جدل كبير أثير حول من كان له الفضل فى تأسيس تنظيم الضباط الأحرار. فى مذكراته زعم محمد نجيب أنه صاحب الفضل فى ذلك، وكذا جمال عبدالناصر ثم أنور السادات.
الوجود فى الواجهة أو تحت الأضواء يبرر لصاحبه أن ينسب أى فضل لنفسه.
والشخصية الأدهمية بطبيعتها لا تهتم بمن يجلس فى الظل، فهى تكترث فقط بمن يتصدر المشهد وتعتبره الفاعل الأول فى الحدث، وإلا لماذا تموقع فى الأمام أو فوق القمة؟.
ومنسوب الخبرة التاريخية لديها يؤكد لها باستمرار أن الشخوص الفاعلين على مسرح الحياة يتحركون بوحى اللحظة وليس بثقافة الخطة. الظرف فى الأغلب هو الذى يقرر اتجاهات الحدث والفعل.
يشير كبير مؤرخى هذه الفترة -عبدالرحمن الرافعى- إلى أن فكرة تنظيم الضباط الأحرار تعود بجذورها إلى نهايات الحرب العالمية الثانية عام 1945. ففى خضم ما عاشه المصريون من ظلم وقهر على يد الاحتلال، وجراء فساد الحكم الملكى، والمعاناة الاقتصادية التى خلّفتها الحرب، بدأت الفكرة تختمر فى أذهان الضباط، وتملكهم شعور بضرورة التدخل من أجل إصلاح ما فسد، ثم كانت حرب 1948 وما كشفت عنه من أن الجيش لم يزوّد بالأسلحة الكافية فى البداية، ثم زوّد بأسلحة فاسدة، واستفزت المآسى التى تخلّفت عن ذلك روح الغضب داخل نفوس الضباط، فبدأوا التفكير بصورة عملية فى تكوين تنظيم يسعى لتغيير الأوضاع.
تلك وجهة نظر «الرافعى» حول مراحل تأسيس «الضباط الأحرار».
ولا يخفى عليك أن موضوع الأسلحة الفاسدة مثّل فكرة مركزية داخل الخطاب المعارض للملك فاروق بعد نكبة 1948، وقد لعبت الحملة الصحفية التى قام بها الكاتب الصحفى الراحل إحسان عبدالقدوس دوراً مهماً فى فضح الموضوع، وكان للحملة أثر بالغ السلبية على شعبية «فاروق».
وقد دافع الملك عن نفسه فى مذكراته التى كتبها فى منفاه بإيطاليا، وذكر أن الحكومة قررت دخول الحرب دون استعداد كافٍ، وأن الدولة اضطرت إلى شراء أسلحة قديمة ومتهالكة بسبب ضغوط عالمية تحركها الصهيونية وتوابع الحرب العالمية الثانية، حيث رفض تجار السلاح توريد أسلحة حديثة للجيش المصرى.
لم يصل صوت «فاروق» بالطبع إلى «أداهم المصريين».
وكان الصوت الغالب هو الصوت الذى يؤكد أن الملك تواطأ على جيشه وكان سبباً مباشراً فى نكبة 1948.
تعوّد الأداهم تصديق الصوت الغالب فى اللحظة المعيشة، فهم أيضاً أبناء ثقافة اللحظة ويخضعون لضغط الظرف، والأسلحة كانت فاسدة بالفعل، وليس يهم بعد ذلك فهم الأسباب التى ساقها «فاروق» فى شرح أو تفسير ما حدث. فى كل الأحوال مثّل موضوع الأسلحة الفاسدة الأيقونة الأساسية التى التف حولها الضباط الأحرار، و«أدهم» بطبيعته يهوى الأيقونات التى تختزل له المعانى المتشعبة المعقدة فى إطار رمزى واضح، ولا يهمه التفاصيل بعد ذلك.
وتأسيساً على هذه الأيقونة تشكلت الهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار عام 1949 وبدأت فى التحرك للتخلص من النظام الملكى. وينسب المؤرخ عبدالرحمن الرافعى الفضل فى كل هذه الخطوات إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حيث سطّر مؤلفه خلال فترة حكمه، وكان «ناصر» فى الواجهة، ولا نستطيع أن نحدد بصورة دقيقة لمن كان سيُنسب الفضل فى تأسيس التنظيم لو أنتج مؤلفه أوائل 1954، أو لو امتد به العمر إلى السبعينات!.