بقلم: صالح القلاب
المفترض أنه لا خلاف على أن أكبر «ضربة» وُجهت إلى منظمة التحرير، وإلى قضية فلسطين، هي انقلاب حركة «حماس» الدموي على السلطة الوطنية وعلى «فتح» منتصف شهر يونيو (حزيران) عام 2007 فـ«الشرخ» الذي أحدثه هذا الانقلاب جاء في فترة في غاية الأهمية، ووضع في أيدي الإسرائيليين حجة يعتبرونها «دامغة» للتهرب من عملية السلام، والقول لمن يضغطون عليهم إنهم لا يعرفون مع أي فلسطينيين يتفاوضون... هل مع «دولة» قطاع غزة، أم مع «دولة» رام الله والضفة الغربية؟!
كانت حركة «فتح» ومعها بعض الفصائل الفلسطينية قد انتزعت اعترافاً عربياً أصبح عالمياً وكونياً بعد مؤتمر الرباط العربي، عام 1974، بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا بقي متواصلاً رغم كثير من المحاولات المضادة خلال حصار طرابلس اللبنانية، الذي شاركت فيه إسرائيل، إلى جانب بعض التنظيمات التي «ادّعت» أنها فلسطينية، مع أنها كانت تابعة فعلياً للأجهزة الأمنية السورية.
وحقيقة أن قيادة منظمة التحرير قد بذلت جهوداً مضنية لتوحيد الموقف الفلسطيني، بعدما اتخذت عملية السلام خطوات جدية وحاولت إشراك حركة «حماس»، في مؤتمر الجزائر الفلسطيني الشهير، عام 1988، وكان هناك حرص على مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية فيه، بما في ذلك تنظيم صبري البنا (أبو نضال)، لكنها رفضت ذلك، وبقيت ترفضه منذ ذلك الحين حتى الآن.
لقد قاطعت حركة «حماس»، التي كانت خرجت من رحم التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» بعد 22 عاماً من انطلاق ثورة فلسطين المعاصرة، حضور مؤتمر الجزائر هذا، وهي تعرف أن «أبو عمار» أراده «توحيدياً» للذهاب إلى عملية السلام بموقف فلسطيني واحد، حيث إن أولى خطوات عملية السلام قد انتهت كما هو معروف بمؤتمر مدريد الشهير عام 1990، الذي ترتبت عليه اتفاقيات أوسلو الشهيرة، التي بدورها قد أدت إلى كل تلك التطورات، التي تلاحقت وأدت إلى قيام السلطة الوطنية، التي اعتبرت على الصعيد الدولي أنها «الدولة الفلسطينية المنشودة»!!
والمعروف أن «أبو عمار» كان قد حرص، ومعه قيادة «فتح» وقيادة منظمة التحرير، منذ عودته إلى غزة عام 1994، على مواصلة محاولاته السابقة لاستيعاب حركة «حماس» في المسيرة الفلسطينية الجديدة، ولاحقاً في السلطة الوطنية، فكانت مشاركتها في انتخابات عام 2005 التي فازت فيها، وأصبح إسماعيل هنية رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية، التي ما لبثت أن أطاحت بها عام 2007 بانقلاب عسكري دموي يشبه أبشع وأسوأ الانقلابات العسكرية العربية الدموية.
وهنا، فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن نوايا «حماس» الانفصالية قد اتضحت، عندما ارتدت على اتفاق مكة المكرمة الشهير، الذي انعقد برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - ووقّعه الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ممثلاً لـ«فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وذلك في حين أن خالد مشعل كان قد وقّعه ممثلاً لحركة المقاومة الإسلامية، التي التحقت بالعمل الوطني الفلسطيني ممثلة للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، متأخرة 22 عاماً عن إطلاق الرصاصة الأولى، التي أطلقتها حركة «فتح» بعملية «عيلبون» الشهيرة عام 1965، التي كانت بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة.
كانت حركة «حماس»، عندما وقّعت اتفاق مكة المكرمة، الذي بادرت إلى التنصل منه قبل أن يجفّ الحبر الذي كتب به، قد انتقلت من عمان إلى الدوحة كمركز قيادي، حيث أصبحت بصورة واضحة ومعلنة جزءاً من التحالف «الإخواني» الذي يتصدّره الشيخ يوسف القرضاوي وبات يعتبر الحزب السياسي في قطر، وعلى رأسه حمد بن خليفة آل ثاني، الذي كان قد ذهب إلى غزة هرولة في عام 2012 بعد انقلاب «حماس» المشار إليه آنفاً، ليؤكد أنه هو صاحب هذه الدولة «الإخوانية» الطارئة، وليس خالد مشعل، ولا إسماعيل هنية.
وعليه، فإن المقصود بهذا كله هو أن التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» قد «اخترع» حركة «حماس»، التي أعطاها اسماً، لا ذكر لفلسطين فيه، هو «حركة المقاومة الإسلامية»، من أجل فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، ومن أجل إنهاء اعتبار أن «منظمة التحرير» ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ومن أجل تدمير السلطة الوطنية وقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية المنشودة، وإظهار أن الفلسطينيين غير موحدين، وأن هناك كيانين فلسطينيين... أي كيان «القطاع» وكيان الضفة الغربية.
ولهذا، فإنه قد تأكد أن «حماس»، التي أصبحت بصورة معلنة جزءاً من تحالف «إخوانيّ» مقرّه الدوحة ومرجعيته إسطنبول وأنقرة، وتبعيته الحقيقية لـ«الولي الفقيه» في طهران، قد تم اختراعها بعد 22 عاماً لاعتراض المسيرة الوطنية الفلسطينية، ولقطع الطريق على قيام دولة الشعب الفلسطيني المنشودة، ولوضع كل المبررات في أيدي الذين يرفضون قيام هذه الدولة، إنْ كانوا إسرائيليين، وإنْ كانوا عرباً وغيرهم، وهذا بات واضحاً ومعروفاً إلا للذين يضعون أكفهم فوق عيونهم حتى لا يروا حقائق الأمور بالنسبة لهذه القضية المصيرية البالغة الأهمية.
والمعروف أن هناك الآن توجهاً جدياً لانتخابات فلسطينية «تشريعية» و«رئاسية» جديدة، والمفترض أن تكون هذه الانتخابات توحيدية، وأن تعيد الصلة والعلاقات بين قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى ما كانت عليه قبل انقلاب عام 2007 الدموي، لكن «حماس» التي باتت مهمتها معروفة، وباتت أهدافها واضحة، قد بادرت إلى وضع «العصي في الدواليب»، فعودة الوحدة مرفوضة بالنسبة لها وبالنسبة لحلفها «الإخواني»، ثم يجب بالنسبة إليها ولحلفائها ألا يظهر الشعب الفلسطيني شعباً واحداً، بل كيانين فلسطينيين، وهذا هو ما تريده إسرائيل، وما يريده كل الذين يقفون في طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولذلك، فإنه لا بد أن تُجرى هذه الانتخابات في الضفة الغربية وحدها، طالما أن إسرائيل ترفض إجراءها، وخاصة في القدس الشرقية، كـرفض «حماس» إجراءها في غزة، وحقيقة أن شعوباً كثيرة قد مرّت بمثل هذه التجربة، ولهذا، فالمفترض أن الشعب الفلسطيني في أي جزء من وطنه يمثل إخوته في أي جزء آخر، والمعروف أن الفيتناميين في الجزء الشمالي من فيتنام كانوا يمثلون أشقاءهم في الجزء الجنوبي، وهذا يعني أنه بالإمكان تمثيل أبناء قطاع غزة والقدس المحتلة أيضاً في البرلمان الفلسطيني المنتخب ببعض أشقائهم «المعينين» تعييناً من قِبل أشقائهم المنتخبين في المجلس الجديد... والقاعدة تقول: «الضرورات تبيح المحظورات»!!
لا يجوز أن تعطل «حماس» مسيرة الشعب الفلسطيني، وأن تصرّ على إبعاد قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأن تضع شروطاً تعجيزية للتهرب من الانتخابات «التشريعية» و«الرئاسية» المقبلة، فهذه المرحلة من الصراع مع إسرائيل حاسمة ومصيرية، وهذه الانتخابات التي تم الإعلان عنها تعتبر ضرورية، وفي غاية الأهمية، لتعزيز دعم العالم لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذه مسألة يبدو أنها لا تهم حركة المقاومة الإسلامية، طالما أنها تنظيم «إخواني»، وأن ارتباطها بـ«الإخوان المسلمين» له الأولوية على ارتباطها بالقضية الفلسطينية.