توقيت القاهرة المحلي 08:01:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا يصح إلا الصحيح... ومن حق «الأكراد» إقامة دولتهم المستقلة!

  مصر اليوم -

لا يصح إلا الصحيح ومن حق «الأكراد» إقامة دولتهم المستقلة

بقلم: صالح القلاب

قبل بضعة أيام بادر نظام بشار الأسد إلى «التكرم» على «أكراد» سوريا بمنحهم «الحكم الذاتي»، وبالطبع فإن من ينطقون باسم هؤلاء ويمثلونهم قد بادروا إلى رفض هذا العرض الذي يعني أنه لن يتغير عليهم شيء، وأنهم سيبقون خاضعين لكل ما بقي يخضع له أشقاؤهم في باقي المدن والمناطق السورية، وبخاصة في دمشق وحماة، ومنذ عهد صلاح الدين الأيوبي وحتى الآن والمشكلة بالنسبة لهؤلاء، إنْ في تركيا وإنْ في العراق وإيران، هي ليست هذه المنحة التي «تكرّم» بها عليهم الرئيس السوري، وإنما حق تقرير المصير ومثلهم مثل شعوب هذه المنطقة كلها... إنْ كانوا عرباً أو أتراكاً، وأيضاً إنْ كانوا إيرانيين!
ربما أن هناك من لا يعرف أن «الكرد» أو «الأكراد» إنْ في تركيا وإنْ في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، وأيضاً في مصر وإنْ بنسبة محدودة جداً قد خضعوا للدولة العثمانية، وأنهم قد اعتبروا مواطنين عثمانيين، لكن بحقوق منقوصة مثلهم مثل العرب، وإنّ قسماً منهم قد خضعوا وبخاصة في كرمنشاه ومهاباد إلى «الصفويين» وإلى النظام الشاهنشاهي – الإيراني، والمشكلة في كل الأحوال أنه لم يتغير عليهم أي شيء منذ بدايات عشرينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة!
في عهد الدولة العثمانية من المعروف أنه باستثناء الأتراك كان الجميع يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، وحتى وإن تبوأ بعضهم مواقع رئيسية في هذه الدولة، وحقيقة أن تلك الفترة كانت بالنسبة للعرب فترة ظلامية بكل معنى الكلمة، وعليه فإنه كان لا بد من الثورة العربية الكبرى، وأيضاً كان لا بد من الانقلاب «العلماني» الذي قام به مصطفى كمال (أتاتورك) الذي من المعروف أن تأثيره لا يزال مستمراً حتى الآن إنْ في تركيا نفسها وإنْ في بعض دول هذه المنطقة!
إنه لا تتوفر معلومات كافية عن أوضاع أكراد تركيا لا الآن في هذه المرحلة ولا في المرحلة «الأتاتوركية»، لكن المعروف أن عددهم هو العدد الأكثر والأكبر بالنسبة لعدد إخوتهم في هذه المنطقة كلها، وأنهم بقوا يطالبون بحقوقهم القومية وعلى مدى سنوات طويلة، وبخاصة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وأنهم بدعم الاتحاد السوفياتي ودعم نظام حافظ الأسد كانوا قد شكلوا في نهايات سبعينات القرن الماضي تنظيماً مسلحاً باسم: حزب العمال الكردستاني - التركي بزعامة عبد الله أوجلان الذي مضت عليه حتى الآن سنوات طويلة سجيناً في أحد السجون التركية.
إنّ المعروف أن أكراد سوريا كانت لهم مشاركة رئيسية في الحياة السياسية السورية منذ بدايات الاستقلال وحتى أول انقلاب «بعثي» في عام 1963، وأن هناك منهم من تبوأوا موقع رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، مثل أديب الشيشكلي، وإبراهيم هنانو، وحسني الزعيم، ومحمد علي العابد، وفوزي سلو، ومحسن البرازي، والمعروف أن محمود الأيوبي الكردي أصلاً كان أحد قادة حزب البعث المرموقين، وأنه هو أيضاً تبوأ مركز رئيس الوزراء في عهد حافظ الأسد ومنذ عام 1972 وحتى عام 1976.
إن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أنه لم تكن هناك محاولة جدية وفعلية لإقامة دولة كردية إلا تلك المحاولة التي قام بها القاضي محمد ومعه الملا مصطفى البارزاني في عام 1946 بمساندة جوزيف ستالين، لكن تلك الدولة لم تصمد إلا لأحد عشر شهراً، حيث أطاحها الشاه رضا بهلوي وأعدم مؤسسها في ساحة مدينة مهاباد، وذلك في حين أن هذا الزعيم الكردي قد انسحب ومعه بعض قواته إلى الاتحاد السوفياتي وبقي هناك لفترة طويلة عاد بعدها إلى بغداد، ثم إلى كردستان العراقية.
وحقيقة أنه بعد إسقاط محاولة «مهاباد» تلك لم تظهر في المناطق الكردية، إنْ في تركيا وإنْ في سوريا، أي محاولة كردية استقلالية، وإن المحاولات الجدية في هذا المجال قد اقتصرت على إقليم شمال العراق وأيضاً على منطقة كردستان الإيرانية؛ فحزب العمال الكردستاني - التركي الذي كان شكّله الاتحاد السوفياتي ومعه النظام السوري كان من أجل الضغط على تركيا وإزعاجها وتشتيت قدراتها، وأنه باستثناء منطقة ديار بكر وامتداداتها لم يكن له أي ظهور جدي في تركيا، وهذا مع أن الأكراد الأتراك كانوا وما زالوا يشكلون الأكثرية الكردية في هذه المنطقة.
لكن، ومع أنه قد تم إحباط محاولة أكراد شمال العراق، بقيادة مسعود بارزاني، لإعلان دولة مستقلة، فإن هذا لا يعني أنه قد تم الاستسلام لواقع الحال والاكتفاء بهذه الصيغة «الفيدرالية»؛ فهدف إقامة الدولة الكردية المستقلة، التي تشمل أيضاً أكراد تركيا وسوريا وإيران، لا يزال قائماً ووارداً، وهنا يبدو أن الفرصة الاستقلالية باتت أكثر «توفراً» بالنسبة للأكراد الإيرانيين؛ نظراً لأن دولة الولي الفقيه لم تعد قادرة على مواجهة تنامي النزعة الاستقلالية بالنسبة للأقليات القومية في إيران!
وعليه، فإن من غير الجائز إطلاقاً أن يحرم الأكراد من تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم أو دولهم المستقلة وعلى غرار ما حققه غيرهم؛ فهؤلاء من حقهم أيضاً أن يستقلوا، ثم وأنه من الظلم أن يبقوا مجموعات وجماعات مشتتة وملحقة بدول هذه المنطقة، تركيا وإيران العراق وسوريا، وأيضاً أذربيجان وروسيا وأرمينيا، وإنْ بحدود معينة.
إنه أفضل لدول هذه المنطقة، تركيا وسوريا والعراق وإيران، ألا يبقى هذا الجرح ملتهباً وراعفاً ومستنزفاً لإمكانات هذه الدول وقدراتها، وأيضاً ألا يبقى ثغرة يتسرب من خلالها الطامعون في هذه المنطقة وعلى غرار ما هي عليه الأمور الآن، حيث هناك كل هذا التدخل الروسي والتدخل الأميركي وأيضاً الإسرائيلي «العسكري» الذي تجاوز الحدود كلها وأصبح يشكل عبئاً على كل دول هذه المنطقة العربية!
إن المؤكد أن رجب طيب إردوغان يخشى من أن تتقلص تركيا، التي كانت في العهد العثماني دولة ذات نفوذ هائل في ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، إلى حد «التقزُّم» إذا استقل عنها الأكراد، الذين يشكلون ثقلاً رئيسياً في تركيبتها السكانية، وكوّنوا دولتهم المستقلة، إنْ وحدهم أو مع الأقليات الكردية، إنْ كلها أو بعضها، لكن عليه، أي على الرئيس التركي، أنْ يعرف ويدرك أنه لا يستطيع الحفاظ على ما كانت عليه الأوضاع في العهد العثماني وأيضاً في عهد مصطفى كمال (أتاتورك)؛ فالتاريخ وبخاصة تاريخ هذه المنطقة «متقلب» باستمرار، وهو بالتأكيد سيعطي الأمة الكردية حقها كما أعطى للإيرانيين والأتراك والعرب حقوقهم.
والأفضل هنا أن يكون فراق الأكراد إنْ في تركيا وإنْ في سوريا والعراق وإيران وباقي ما تبقى بالتفاهم، فـ«الطلاق» بإحسان أفضل كثيراً من الطلاق بالقوة، ويقيناً أن الأفضل لمكونات هذه المنطقة كلها أن تحل خلافاتها سلمياً وبالتراضي لتبقى العلاقات بين بعضها بعضاً علاقات محبة وأخوة، وعلاقات اقتصادية متبادلة ومع الابتعاد عن الحروب والمشاحنات والمؤامرات والألاعيب الدولية.
وهكذا، وفي النهاية فإنه يجب أن تنتهي هذه الوضعية، أي الوضعية الإلحاقية، بالنسبة للأكراد في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها؛ فهذا الشعب من حقه أن تكون له دولته المستقلة إنْ على أساس «فيدرالي» وإنْ على أساس «المركزية»، وأسوة بأشقائه العرب وأشقائه الأتراك وأيضاً أشقائه الإيرانيين... إن هذا هو الصحيح، وإنه من المؤكد أنه لن يصح إلا الصحيح في النهاية، ومهما طال الزمن الذي هو قد استطال بما فيه الكفاية، وإذ إنه لا يجوز أن يطول أكثر مما استطال!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا يصح إلا الصحيح ومن حق «الأكراد» إقامة دولتهم المستقلة لا يصح إلا الصحيح ومن حق «الأكراد» إقامة دولتهم المستقلة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
  مصر اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

بحث أميركي يدشن مشروعًا لإعادة تصور وجه نفرتيتي

GMT 23:17 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

نادي روما الإيطالي يجهض حلم يورجن كلوب

GMT 13:46 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اجتماع لمجلس إدارة اتحاد الكرة الثلاثاء المقبل

GMT 11:51 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الإسماعيلي في مباراة قوية أمام الأسيوطي مساء الإثنين

GMT 01:38 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

إلهام شاهين والأب دانيال يكرمان آمال فريد

GMT 05:51 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

صعوبة البلع والنزيف المهبلي أبرز أعراض السرطان

GMT 22:36 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجزر والخضروات لسرطان البروستاتا

GMT 22:09 2014 الإثنين ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حاسبات" بني سويف تنظم مسابقة في البرمجيات للجامعات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon