بقلم : صالح القلاب
لم تنعم هذه المنطقة -أي الوطن العربي- فعلياً ببعض الارتياح والاستقرار، وهي بالضرورة لن تنعم بمثل هذا الاستقرار، ما دامت تواجه كل هذه التحديات الكثيرة، وما دامت فلسطين، التي بقيت تعتبر على مدى الزمان قلب الأمة العربية، والتي تحتضن القدس الشريف، تحت احتلال غاشم وظالم عنوانه الحركة الصهيونية، التي تزداد توحشاً وتطرفاً مع الأيام، وتنفرد أكثر بالشعب الفلسطيني الصامد على أرضه.
خمسة أيام من النار والعدوان صبَّ فيها الاحتلال الصهيوني ناره ومتفجراته، وكل ما في ترسانته العدوانية من أسلحة وذخائر، على رؤوس الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصَر، لتُعمل فيه تقتيلاً وتدميراً ونسفاً للمباني والبيوت على رؤوس أصحابها الآمنين، ومن بينهم أطفال ونساء وشيوخ عُزّل لا علاقة لهم بمقاومة ولا بسلاح في مواجهة هذا العدو المتغطرس... والذي بقي يرفض، وبتواطؤ من بعض الدول، الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، ويرفض إنهاء احتلاله والعيش بسلام في هذه المنطقة من العالم.
إنه كان واضحاً لكل ذي بصيرة أن حكومة اليمين المتطرفة في تل أبيب تحاول أن تهرب من أزماتها الداخلية والمعارضة المتزايدة ضدها في الشارع الإسرائيلي، إلى الإمعان في قصف غزة، وعدم توفير المدنيين الأبرياء... بل تدفيعهم الثمن الأغلى من حياتهم وبيوتهم وأعمالهم ومصالحهم. لقد سعى نتنياهو وزمرته المتطرفة والمتحجرة إلى التصعيد الحربي ضد غزة؛ للهروب من أزماتهم الداخلية التي إن هي استمرت -وهي ستستمر، بلا شك، حسب كل الشواهد- فلا بد من أن تطيح برأس نتنياهو وحكومة اليمين المتطرفة.
وهنا، فإنه لا بد من تأكيد أن الدفاع عن فلسطين ومقدساتها وشعبها، فلسطينياً وبدعم عربي وأيضاً إسلامي، لم يتوقف، لا سابقاً ولا الآن، وأيضاً ولا لاحقاً، لكن المؤسف أن هذا الاحتلال الصهيوني الغاشم لهذه البلاد المقدسة، وجوهرتاها المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، لا يزال قائماً ومتواصلاً ومستمراً حتى الآن، وحقيقة أن هذا الجزء من الوطن العربي قد بقي مستهدَفاً، وهذا إن سابقاً وإن لاحقاً وحتى الآن.
إنه لا شك في أن الدفاع عن فلسطين وأماكنها المقدسة، الإسلامية والمسيحية، لم يتوقف على الإطلاق، وهذا منذ الغزو «الصليبي» الظالم والغاشم وحتى الآن، وأن قبور الشهداء، مسلمين ومسيحيين، إن في القدس، وإن في غيرها، تشهد على هذا كله، فالقدس، لا بل فلسطين كلها، قد بقيت تُشدُّ إليها رحال المجاهدين؛ مسلمين ومسيحيين على مدى التاريخ، وكما حلَّ الاحتلال على فلسطين في عدة محطات من تاريخها، فقد انكفأ وذهب إلى مزابل التاريخ، وهو أمر نثق بأنه سيكون مصير هذا الاحتلال الحالي الذي يفرد سواده على كل فلسطين.
لم تغِب فلسطين، ولم يخفت الحنين لتحريرها عن كل الفلسطينيين والعرب الذين شهدوا نكبتها عام 1948 وما بعدها من تطورات، وهو حنين لم يخفت مع الأجيال اللاحقة، ولا الأجيال التي ستأتي بعدنا، ففلسطين ليست أي أرض، بل هي أرض مقدسة باركها الله، وبقيت مهوى الأفئدة للعرب كلهم؛ مسلمين ومسيحيين، وحقيقة أنه لا وضع طبيعياً في هذه المنطقة من العالم، ولدى هذه الأمة العظيمة، دون الوصول إلى تحرر فلسطين الحبيبة والمقدسة بكل أرضها وترابها وجوهرتيها القدس الشريف وكنيسة القيامة.
إنّ هناك مقولة عربية خالدة تقول: «إنه لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر»، فصنعاء هي في القلوب الطيبة وفي الأفئدة النظيفة، لكن وفي الحقيقة أيضاً، أنه لا بد من القدس الشريف... ولا بد من حيفا ويافا وإن طال السفر... وأن شعارنا الذي يجب أن نبقى نردّده هو فلسطين كلها، ومن البحر إلى النهر، عربية، وهي ستبقى عربية وبكل ذرة تراب فيها، وبالمسجد الأقصى الشريف وكنيسة القيامة، وأن المحتلين ذاهبون لا محالة... وأن كل الذين قد وطئوا هذا التراب المقدس من محتلّين قد ذهبوا وبلا أي رجعة، وعليه فإن يافا وحيفا ستبقيان عربيتين، وإن القدس الشريف سيبقى عربيّاً وللمسلمين والمسيحيين... وما عدا هذا فإنّ هذا الصراع سيبقى مستمراً ومتواصلاً.
قد يعتقد البعض أن في هذا الكلام بعض المبالغات والعاطفية... لكن ها هو التاريخ يقول إنّ فلسطين عربية، وهي ستبقى عربية، وجوهرتاها القدس الشريف وكنيسة القيامة المقدسة... وهذا يتطلب أن نضع هذه الحقائق التاريخية البعيدة والقريبة في قلوب وأذهان أبنائنا وأحفادنا.
لقد تمسّك الفلسطينيون والعرب دائماً بخيار السلام مع هذا العدو الغاصب، لكنه أبى ويأبى السلام، ويصر على احتلاله وعدوانه، بل يكاد يبتلع باستيطانه كل القدس والضفة الغربية، ويهدد هو ومتطرفوه يومياً المسجد الأقصى المبارك، ويمعن في قتله وتدميره وتشريده للشعب الفلسطيني البطل، الذي يقاوم بصدور أبنائه العارية هذا الظلم والاحتلال. أفبعد ذلك يستكثر البعض علينا المطالبة بفلسطين... كل فلسطين؟! إن الإسرائيليين الصهاينة يعيدون الصراع إلى جذوره... صراع وجود، فهم من يرفض التسليم بالحقوق الفلسطينية والعربية، وبالشرعية الدولية وقرارات «مجلس الأمن الدولي» التي أكل عليها الدهر وشرب! ستبقى فلسطين والقدس درة البلاد والمدن لدى العرب، مسلمين ومسيحيين، وإلى أبد الآبدين.