بقلم: صالح القلاب
ليس مستغرباً أنْ تنتفض مدينة السويداء عاصمة جبل العرب ضد هذا النظام وتهتف: «ارحل... ارحل يا بشار»، فقد هتفت أيضاً وثارت ضد والده حافظ الأسد، الذي قصفها بالطائرات، والذي من المعروف عنه كرهه لها بمستوى كرهه لـ«المختارة» في لبنان، وهذا مردّه إلى أنّ الدروز «الموحدّين» هنا أو هناك، كانوا وما زالوا ضد نظامه الذي استمر مع ولده بشار، وقد طالبوا برحيله قبل أيام، كما كانوا طالبوا برحيل والده في تلك الفترة السابقة التي غدت بحسابات السياسة، وليس بحسابات الزمن، بعيدة!!
ربما أنّ هناك من يذهب إلى أن الكره المتبادل بين الدروز الموحدين ونظام حافظ الأسد، الذي تواصل مع ابنه بشار، يعود لأسباب طائفية، وعلى أساس الكره المتبادل القديم بين الطائفة العلوية... النصيرية، وطائفة الموحدين «الدرزية»، وحقيقة أنّ هذا غير صحيح على الإطلاق، فأساس هذا الكره وهذا الخلاف سياسي، ولا علاقة له إطلاقاً بالأمور المذهبية.
وإنّ ما يؤخذ بعين الاعتبار في هذا المجال هو أنّ نظام الأسد الأب والأسد الابن هو المسؤول حسب ما يعتقد البعض، حتى بعض المحايدين، عن مقتل 4 من كبار قادة ورموز طائفة الموحدين الدرزية، وهم كمال جنبلاط وشبلي العيسمي وسليم حاطوم وحسن الأطرش، وهناك من يضيف إلى هؤلاء الجنرال الكبير فهد الشاعر الذي كان من الممكن أنْ يذهب إلى حبل المشنقة أو إلى ميدان الإعدام بالرصاص لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر في اللحظات الأخيرة كما يقال!!
من المعروف، أو من المؤكد أنّ كمال جنبلاط، الذي كان زعيم القوى والتوجهات اللبنانية اليسارية والداعم لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة الفلسطينية، كان ضد التدخل السوري، تدخل حافظ الأسد في لبنان، بينما كان الطرف الآخر، أي الأحزاب المسيحية (المارونية)، بقيادة بيار الجميل وكميل شمعون وسليمان فرنجية وغيرهم، كانوا مع هذا التدخل، لقناعتهم بأنه الوحيد القادر على التصدي لتجاوزات الفلسطينيين في بلادهم وتدخلهم في شؤونه الداخلية وانحيازهم للأحزاب والتنظيمات اليسارية التي كانوا يعتبرون أنها ذات ارتباطات خارجية عربية ودولية.
كان كمال جنبلاط يعتبر رمزاً قومياً عربياً مرموقاً وكان صاحب رأي مسموع لدى معظم القادة العرب حتى مَن كان منهم غير موافق على قناعاته وتوجهاته السياسية وعلى منطلقاته الفكرية، وهذا أيضاً ينطبق على معظم قادة ورؤساء دول العالم الكبرى كالاتحاد السوفياتي والصين (الشعبية) وكوبا ودول ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي كلها، وأيضاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية وما كان يسمى دول عدم الانحياز في العالم بأسره.
لقد كانت كلمة كمال جنبلاط مسموعة ونافذة لدى اللبنانيين بمعظم طوائفهم وبكل قواهم وأحزابهم السياسية، وبالطبع فإنه كان يعتبر بالنسبة للفلسطينيين وبالنسبة للتنظيمات الفلسطينية الرئيسية، وأيضاً الثانوية، صاحب قرار لا نقاش فيه ولا يرد، وأنه هو الوحيد القادر على القول؛ لا للتدخل السوري العسكري والمخابراتي، وأيضاً السياسي، في لبنان والشؤون اللبنانية، وهذا كله قد جعل التخلص منه جسدياً بالنسبة للرئيس حافظ الأسد مسألة لا بد منها، إذ كان لا بد له من أن يسيطر على لبنان ويضع «الورقة» الفلسطينية وأيضاً اللبنانية في جيبه وهو على وشك الانخراط في مفاوضات حاسمة لحل الصراع في الشرق الأوسط وإخراج الإسرائيليين من الأراضي السورية والفلسطينية التي كانوا احتلوها في يونيو (حزيران) عام 1967 وقبل ذلك.
كان الرئيس السوري السابق حافظ الأسد حتى بعد حرب عام 1973 التي كان يعتبر أنه انتصر فيها، وإنْ لم يكن انتصاراً كاملاً، فنصف انتصار، يرى أنه لا بد من وضع الورقة الفلسطينية في جيبه، وأنه لا بد من إخفات «صراخ» التنظيمات والأحزاب اللبنانية اليسارية، ولا بد من الهيمنة على الإعلام اللبناني بكل وسائله وتوجهاته حتى يستطيع أن يذهب إلى المفاوضات مع الإسرائيليين بدون وجع رأس، وحتى يمكنه من فعل ما فعله غيره بالنسبة لإيجاد «حلّ مقبول» للصراع في الشرق الأوسط، الذي لا يمكن إنهاؤه بدون حل قضية فلسطين، وبدون خروج الإسرائيليين من الجولان، كما أصبح واضحاً أنهم سيخرجون من كل سيناء المحتلة وفقاً لاتفاقيات كامب ديفيد المعروفة.
وحسب ما قيل في تلك الفترة، ولا يزال يتردّد حتى الآن، فإنّ الرئيس حافظ الأسد قد استدعى وليد جنبلاط بعد مقتل والده بفترة، وقد قال له بعد أنْ جلس أمامه؛ «سبحان الله» إنك تشبه والدك... الخالق الناطق... لقد كان يجلس على هذا المقعد الذي تجلس عليه... ولقد نصحته، لكنه لم ينتصح... وأرجو ألا تكرّر الخطأ الذي ارتكبه لتتجنب المصير الذي انتهى إليه!!
وبالطبع، فإن وليد جنبلاط - الذي يعرف أنّ خروج القوات السورية من لبنان سيكون شكلياً إن هي خرجت، وأنّ مخابرات حافظ الأسد، ولاحقاً مخابرات ابنه بشار، ستبقى لها السيطرة الأساسية في هذا البلد، كما هو واقع الحال الآن، وهذا بالإضافة إلى «حزب الله» اللبناني وأجهزته، وبعض الأحزاب اللبنانية التي هي سورية المنشأ والولاء والمرجعية - قد فهم ما كان قاله له الرئيس السوري. ولهذا فقد عاد إلى المختارة وهو يضرب أخماساً بأسداس، وبقي ما قاله الأسد الأب حاضراً في ذهنه حتى في عهد الأسد الابن الذي من المؤكد أنه يحاول «المشي» على الطريق الذي مشى عليه والده ولسنوات طويلة.
إنّ هذا ما جرى بالنسبة لـ«جنبلاط الأب» وجنبلاط الابن، أما بالنسبة للأمين العام السابق لحزب البعث وأحد مؤسسيه وعضو قيادته القومية، أي شبلي العيسمي، فإنه قد بادر إلى «اللجوء» إلى العراق بعد سيطرة حافظ الأسد على الحكم بانقلاب عسكري في عام 1970 وبقي هناك حتى إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 فغادر إلى مصر وأقام فيها، ثم غادر إلى لبنان لزيارة ابنته المقيمة مع زوجها في «عالية» اللبنانية، فكان أنْ تم اختطافه وهو ابن 88 عاماً في ربيع عام 2012 وتم نقله إلى دمشق بعد اندلاع الثورة السورية، وإيداعه إحدى «زنازين» المخابرات السورية حيث توفي بعد أيام قليلة، وهذا كله خوفاً من أن يلعب دوراً رئيسياً في هذه الثورة باعتباره درزياً وباعتباره زعيماً سياسياً مرموقاً بالنسبة للسوريين كلهم وبالنسبة لكل الرافضين للوجود الإيراني الاحتلالي في سوريا. وحقيقة، إنّ ما حصل مع كمال جنبلاط ومع شبلي العيسمي وما حصل مع سليم حاطوم الذي لو لم «يعدمه» عبد الكريم الجندي لأعدمه حافظ الأسد، كان سيحصل مع فهد الشاعر (الدرزي) لولا «وساطة» سريعة من الرئيس جمال عبد الناصر، والمعروف أنّ حسن الأطرش قد اختطفه رفعت الأسد من عمان، وتم إعدامه في معسكرات «سرايا الدفاع» في دمشق.
إنّ المقصود بهذا الاستعراض هو أنّ السويداء تحديداً والدروز عامة لهم أكثر من «ثأر» مع نظام الأسد الأب والأسد الابن، وينقل عن متظاهري جبل العرب أنهم رددوا: «لا ينام الثأر في صدري وإنْ طال مداه»... والمعروف أنّ من قيم هذه الطائفة «العروبية» هي ألا يسكتوا على أيّ ثأرٍ لهم، والواضح أنّ الأخذ بثأر كل هذا العدد من زعمائهم الكبار قد حان، وأنّ لحظة تحرير سوريا من هذا النظام إنْ لم تكن قد حانت بالفعل فقد أصبحت قريبة.