بقلم: صالح القلاب
حسب المتابعين للوضع الفلسطيني وحسب كبار المسؤولين الفلسطينيين فإن «اتفاقيات أوسلو»، التي جرى إقرارها والتأكيد عليها في اجتماع واشنطن الشهير في سبتمبر (أيلول) عام 1993 برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وحضور العاهل الأردني الراحل الملك حسين، وبالطبع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك إسحق رابين، قد انتهت وأنجزت ما كان مطلوباً منها، وهو إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية والهيئات والمؤسسات التابعة لها، وفتح الطريق أمام الدولة المستقلة التي اعترفت بها الأمم المتحدة، ولكن كدولة تحت الاحتلال.
والمعروف أن القيادة الفلسطينية، سواء في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أو في عهد الرئيس الحالي محمود عباس (أبو مازن)، قد تصرفت على أساس أن «السلطة الوطنية» دولة مستقلة لها سفارات في معظم دول العالم، ولها حضور في الهيئات الدولية كلها، وتعترف بها الدول الكبرى، باستثناء الولايات المتحدة، وتتعامل معها على هذا الأساس، ولها ممثليات فيها كلها، بما في ذلك الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كالصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا.
وحقيقة أنّ الذين «أشبعوا» اتفاقيات أوسلو والسلطة الوطنية شتماً وقالوا فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر لم يدركوا أن هذه السلطة التي تجاوز «عمرها» 27 عاماً قد حققت إنجازات فعلية في غاية الأهمية، وأنها منذ البدايات قد تصرفت، فلسطينياً وعربياً ودولياً، كدولة مستقلة لها هيئاتها وسفاراتها في دول العالم كلها، ومشاركة بحضور فعال في كل المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وأيضاً للهيئات المستقلة، وهكذا على هذا الأساس فإن (أبو عمار) بقي يُسْتقبل أينما ذهب كرئيس دولة، مثله مثل رؤساء الدول الكبرى، وهذا ينطبق أيضاً على (أبو مازن) والوفود الفلسطينية الرسمية التي كانت ولا تزال تزور العالم وتشارك في كل اللقاءات والمؤتمرات الدولية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهم الإنجازات التي حققتها «السلطة الوطنية»، التي تصرفت منذ اللحظة الأولى كدولة، عودة عشرات الألوف من أبناء الشعب الفلسطيني، وإن لم يكن مئات الألوف، الذين كانوا منثورين في الدول العربية، وفي دول العالم كلها، إلى وطنهم، وأنهم قد استُوعبوا بمعظمهم في هيئات ومؤسسات السلطة الوطنية، التي كانت قد تحولت منذ البدايات إلى مؤسسات وهيئات دولة، تعاملت معها دول العالم كله على هذا الأساس، بما في ذلك دولة إسرائيل سابقاً ولاحقاً وحتى الآن، وبكل حكوماتها المتتابعة، وبما فيها حكومة بنيامين نتنياهو هذه السيئة الصيت.
وبالطبع، فإن أحد إنجازات السلطة الوطنية المهمة جداً هي أنها قد تصرفت داخلياً بالإضافة إلى تصرفها «الخارجي» على أساس أنها دولة لها أجهزتها الأمنية ولها مؤسساتها وهيئاتها، وكما هي عليه الأوضاع، حتى في الدول الكبرى، وأنها «توسعت» كثيراً في إنشاء المؤسسات الثقافية والإعلامية، وفي إنشاء المدارس والجامعات، وفي أن تكون لها أجهزتها القضائية، كما في كل الدول العربية ودول العالم كلها القريبة منها والبعيدة.
وهذا يعني أن أوسلو استنفدت كل المطلوب منها، وأنّ هناك مرحلة جديدة وعودة للمفاوضات على أساس دولة مقابل دولة، وهنا فإن المفترض أن تتحرك القيادة الفلسطينية على هذا الأساس وأن تعقد مؤتمراً دولياًّ كان يجب أن تعقده قبل فترة يشارك فيه الروس والصينيون والأوروبيون والأمم المتحدة أيضاً، لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود التي نصت عليها اتفاقيات أوسلو، ويبدو بل المؤكد أن هذا هو ما جعل بنيامين نتنياهو يستعجل الأمور، ويتخذ قرار «الضّم» الذي أعلنه وأيده الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على أساس «صفقة القرن» السيئة الصيت.
ثم رغم أن هناك تأييداً عالمياً لإعلان خطوة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بعد انتهاء مرحلة اتفاقيات أوسلو، فإنه لا بد من عودة لمفاوضات جديدة بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قطع الطريق عليها بسعيه لاجتياح الضفة الغربية وضم «المستوطنات» التي كانت أقامتها إسرائيل فيها، وأيضاً «ضم» مناطق غور الأردن (الغربي) المجاورة للبحر الميت في الضفة الغربية.
إنه لا شك في أن هناك بالنسبة لهذه الخطوة تعقيدات كثيرة، وأنّ دافع ما سمي «صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولا يزال يتمسك بها، هو قطع الطريق على هذه الخطوة التي من المؤكد أن الفلسطينيين سيتخذونها بمساندة معظم الدول «الفاعلة» وصاحبة القرار في هذا المجال ومعها الأمم المتحدة، حتى إن بقيت هذه الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي لفترة قد تكون طويلة، وعلى غرار ما هي عليه الأوضاع حالياً، والمهم أن العالم بمعظم دوله بات يعترف بهذه الدولة الممثلة حالياً في المنظمات الدولية وفي كل هيئاتها السياسية والثقافية والاجتماعية.. وكل شيء.
ولعل ما من الضروري العودة إليه في هذا المجال هو أنه ثبت أن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كانت اغتيالاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 بالسمّ الذي كان «دسّه» الإسرائيليون إليه، وكان الهدف اعتراض طريق الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك بعد حصار عسكري فرضته القوات الإسرائيلية عليه في مقره في «المقاطعة» ولمدة 3 أعوام، وحقيقة أن المعلومات في هذا المجال لا يزال متحفظاً عليها لدى الفرنسيين، والمعروف أن رئيس النظام السوري كان قد حال، ومعه آخرون، دون تلاوة رسالته التي كان قد وجّهها «متلفزة» من حصاره في «المقاطعة» في رام الله إلى قمة بيروت العربية.
ثم إن ما يجب أن يقال في هذا المجال أيضاً هو أن حركة «حماس» بدعم من إيران، وأيضاً من قطر للأسف، قد قامت بانقلابها العسكري في غزة في 14 يونيو (حزيران) عام 2007 ضد «فتح» ومنظمة التحرير و«السلطة الوطنية» لدفع قيام الدولة الفلسطينية بعيداً، وعلى أساس أنه لا يجوز أن تقوم هذه الدولة في الضفة الغربية وحدها، وهذا قد أراح الإسرائيليين من «همّ» كان يؤرقهم، وهو لا يزال يؤرقهم، لأن الدولة التي سيُعلن قيامها رسمياً وقريباً ستشمل «القطاع»، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية، حتى إن كانت خارج سيطرة القيادة الفلسطينية.
وعليه، رغم كل ما يقال، فإنه لا بد من تأكيد أنه لا تزال هناك صعوبات فعلية وتعقيدات حقيقية أمام إعلان دولة فلسطينية، حتى تحت الاحتلال، فالمعروف أن هناك في الإدارة الأميركية الحالية من هم أكثر «صهيونية» في هذا المجال من أكثر الصهاينة تطرفاً، وأنها ستحاول قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها فرض «صفقة القرن» على الفلسطينيين وعلى العرب وعلى كل من يساندونهم ويؤازرونهم في العالم بأسره، لكن مع ذلك فإنه لا بد مما لا بد منه، أن يتم إعلان الدولة الفلسطينية، وهذه الخطوة ستتخذ في مؤتمر دولي، من المفترض أن يتم عقده في رام الله في الضفة الغربية خلال الأيام المقبلة.
ثم في النهاية، فإنه لا بد من التأكيد مجدداً أن اتفاقيات أوسلو قد استنفدت بالفعل، وأنه لا بد من جديد، والجديد هو رغم كل التعقيدات المعروفة، العودة للمفاوضات، لكن على أساس إعلان الدولة الفلسطينية، وإن كانت تحت الاحتلال، فهذه مسألة باتت مؤكدة ومحسومة، ومعها العالم بمعظمه... بما في ذلك الروس والأوروبيون كلهم، وبالطبع الصين والدول الفاعلة الأخرى بأسرها، وبالطبع الأمم المتحدة كمؤسسة دولية بكل هيئاتها، وهكذا فإن لحظة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية قد دنت بالفعل.