بقلم: صالح القلاب
مع أن هناك إجماعاً من خارج دائرة النظام اللبناني بأن انفجار مرفأ بيروت المدمر فعلاً المسؤول عنه «حزب الله» اللبناني بمعرفة واطلاع إيران وباقي أتباع هذا المحور الذي بات يمتد نفوذه من الضاحية الجنوبية، حيث يتمركز حسن نصر الله والأجهزة الاستخبارية الإيرانية المتعددة وحتى طهران، مروراً بدمشق وبغداد، والمؤكد أن هذا الحزب لن يتعرض إلى أي عقوبات فعلية، وأن هذه الجريمة ستتم «لفلفتها» وعلى أساس «عفا الله عما مضى»، وأن الكفَّ لا يقاوم المخرز!!
والمعروف أن هذا الحزب قد استطاع، بدعم إيراني وبمساندة نظام الأسد وتواطؤ النظام اللبناني، أن يهيمن على لبنان، وأن يصبح هو «الآمر الناهي» في هذا البلد العظيم، وأن «يشكل» حكوماته على أساس أنها حكومات ضاحية بيروت الجنوبية، والبعض يقول إنه حتى الأجهزة الأمنية اللبنانية باتت أجهزة إيرانية!!
إن السؤال المتداول الآن هو: هل بالإمكان فعلاً معاقبة «حزب الله » طالما أنّ أصابع الاتهام كلها تتوجه نحوه، وأن ميناء بيروت كان ولا يزال تحت هيمنته، وأن هذا الميناء ليس لبنانياً وإنما سوري وإيراني، وأن الطرق بينه وبين طهران بقيت سالكة وآمنة منذ أن أصبح حسن نصر الله صاحب «اليد الطولى» في بلاد الأرز كلها وليس في الجنوب اللبناني والمناطق الشيعية وضاحية بيروت الجنوبية التي غدت تحكم لبنان كله وبكل ما فيه بما في ذلك القصر الجمهوري في بعبدا.
والمهم وما دام أن «حزب الله» بات بكل هذه القوة، إنْ في لبنان وإنْ في سوريا وفي العراق، فإنّ «معاقبته» على هذه الجريمة، التي لا خلاف إطلاقاً على أنها كارثة هذا العصر، تحتاج إلى قوة أحد الجيوش الرئيسية، وهذا يبدو أنه مستبعد جداً، وإن أقصى ما بالإمكان فعله هو مجرد «زمجرات» استعراضية والتزام غير مؤكد بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا يحتاج إلى إمكانيات هائلة وعلى مدى سنوات طويلة... وأغلب الظن أنه غير مستبعد أن يكون لحسن نصر الله حصته من إعادة البناء هذه!!
وهكذا وعلى افتراض أن إحدى الدول الكبرى التي تعتبر أن لبنان هو «طفلها المدلل»، والمقصود هنا هو فرنسا تحديداً، ستشرب حليب السباع وتستهدف «حزب الله» بعمل عسكري جدي، فكم يا ترى هو الوقت الذي تحتاجه لإخراجه من ضاحية بيروت الجنوبية ومن البقاع والجنوب اللبناني، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن إيران ستحرك «عفاريتها» الإرهابية في أربع رياح الأرض، وأنها ستهاجم المؤسسات والأهداف الفرنسية وفي كل مكان في الكرة الأرضية، ثم وبالطبع فإن هناك كل هذه الامتدادات الإيرانية العسكرية في هذه المنطقة كلها من اليمن إلى مضيق هرمز... إلى «الشقيقة» قطر إلى إيران نفسها وإلى العراق وسوريا وتركيا الإردوغانية.
إن المقصود بهذا كله هو أنه إذا كان هناك من يريد أن يخلص لبنان والمنطقة كلها من إرهاب «حزب الله» وأن يعاقب هذا الحزب على هذه الجريمة التي هو من ارتكبها بدون أدنى شك، أن يأخذ ببيت الشعر العربي الذي جاء فيه:
لا تقْطعنّ ذنب الأفعى وترسلها
إنْ كنت شهماً فأتبع رأسها الذّنب
ورأس الأفعى في هذا المجال هو «إيران»... فهي التي فور انتصار ثورتها «الخمينية» في عام 1979 قد بدأت هجومها على العالم العربي وبدأت محاولات تمددها العسكري والمذهبي في كل الدول العربية التي بات لها وجود فعال فيها مثل العراق وسوريا وبالطبع لبنان واليمن، والمؤكد أنه لولا دولة الولي الفقيه فلما كان هناك لا «حزب الله» ولا الـ«حوثيون» ولا كل هذه الفصائل التي تزرع الموت في بلاد الرافدين وغيرها وفي مقدمتها حركة «أمل»، التي كان أسسها ذلك القائد العظيم موسى الصدر الذي كان قد تم التخلص منه خلال وجوده في «جماهيرية» القذافي عشية انتصار الثورة الإيرانية وغدت فصيلاً إرهابياً مثلها مثل حزب حسن نصر الله.
لقد قال حسن نصر الله في أحد تصريحاته العنترية إن له «الفخر» أن يكون «حزب الله» سرية مقاتلة في فيلق الولي الفقيه، وحقيقة أنه لولا انتصار الثورة الخمينية وتمددها في بعض دول هذه المنطقة فلما كان هناك هذا الحزب، والمعروف أن الجنرال الإيراني قاسم سليماني، كان قبل مقتله في مطار بغداد، دائم الوجود في ضاحية بيروت الجنوبية على اعتبار أن هذه الضاحية غدت تشكل بؤرة «إرهابية» إيرانية وهذه مسألة باتت مؤكدة ومعروفة، حيث إن هذا الحزب المتهم بتفجير مرفأ بيروت قد أصبح بكل هذه القوة العسكرية، وغدا يفرض ما يريده، حتى على رئاسة الجمهورية وعلى رئاسة الوزراء والسلطات الأخرى.
وعليه ومرة أخرى فإن منفذ كارثة مرفأ بيروت قد يكون، لا بل من المؤكد، أنه حسن نصر الله، كصاحب قرار في هذا المجال، لكن الفاعل الحقيقي الذي من المفترض أن يبدأ «العقاب» به هو علي خامنئي وهو «الحرس الثوري» الإيراني: «سياه باسداران انقلاب إسلامي». فرأس الحية هناك في طهران، والمؤكد إن لم يقطع هذا الرأس الكبير في طهران فإن التمدد الإيراني، المذهبي والسياسي والعسكري والاستخباري، إنْ في لبنان، وإنْ في هذه المنطقة كلها، سوف يستمر، وأن الكارثة البيروتية (اللبنانية) ستبقى بلا عقاب. فاستهداف «حزب الله» لن يكون ممكناً ما دام رأس الأفعى لم يقطع، وما دامت الأذرع الإرهابية الإيرانية «المتغلغلة» وبكل هذه القوة في المنطقة التي هي في حقيقة الأمر قوة إيرانية، موجودة.
والمشكلة أنه «إن سلمت الجرة أيضاً هذه المرة» فإن المؤكد أن حسن نصر الله سيصبح «إمبراطوراً متوجاً»، ليس في لبنان وفقط، بل في هذه المنطقة كلها، وأنه في المرة المقبلة لن يضرب في ميناء عربي بل في أحد القصور، ما دام الفاعل الحقيقي بالنسبة لما جرى في بيروت هو في حقيقة الأمر علي خامنئي، وأن المنفذين هم «حراس الثورة»، وأن المتواطئين هم بعض كبار المسؤولين في الدولة اللبنانية.
ثم ومرة أخرى، فإن الواضح والمؤكد والمعروف أنه إذا مرت هذه الجريمة المرعبة بلا عقاب فإن أي معارض لهيمنة حسن نصر الله، التي هي هيمنة إيرانية، سيكون مصيره كمصير كثيرين من اللبنانيين وغير اللبنانيين الذين كانوا قد غابوا بلا عودة، الذين التهمتهم أقبية ضاحية بيروت الجنوبية، والذين جرى دفنهم بلا قبور معروفة إنْ في سوريا وإنْ العراق وأيضاً إنْ في اليمن وحتى إنْ في إيران!!
وهكذا ومرة أخرى فإن الواضح والمؤكد أنه لا يمكن أن يعاقب لا حسن نصر الله ولا أي من رموز حزبه على هذه الجريمة التي لم يعرف التاريخ اللبناني لا مثلها ولا أقل منها، لا بل وقد يلجأ هؤلاء إلى تحميل المسؤولية لأحد المعارضين لهم ولحزبهم ولإيران، وذلك في حين أن المجرم الفعلي غير مستبعد أن تقلده طهران أرفع الأوسمة التي كان شاه إيران الراحل يقلد مثلها لكبار جنرالات جيشه الذي كان يعتبر القوة «الحامية» للنظام الملكي والملكية... وذلك مع أنّ المعروف أنّ هذه القوة لم تحمِ أحداً عندما عاد الخميني من «نوفل لوشاتو» في فرنسا بطائرة فرنسية.