بقلم:صالح القلاب
لا بد لموازين القوة أن تتغير، ويمكن القول، وبكل تأكيد، إن يد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) قد أصبحت هي العليا، وأن يد أكبر مسؤول إسرائيلي قد أصبحت هي الدنيا، وأنه وعلى عكس ما كانت عليه الأوضاع في فترة سابقة فإنّ الإسرائيليين، رغم كل ما يبدونه اليوم من جبروت وتطرف، هم من باتوا يستجدون القربى والتقارب من الفلسطينيين والعرب، فحركة التاريخ لم تعد على ما كانت عليه، والأمور قد تغيرت كثيراً، وواقع اليوم لم يعد هو واقع الأمس القريب، والمعروف أن حركة اليوم هي غير حركة الأمس، وأنّ أي لحظة تاريخية هي غير اللحظة التي سبقتها!
لقد كان الفلسطينيون يطرقون باب «المندب» ليجدوا إسرائيليين يطبِّعون معهم، ويتفاوضون معهم لإحلال السلام الحقيقي... والعادل أيضاً... ولم يكونوا يجدون مثل هؤلاء الإسرائيليين، لكن هذه الأمور ما لبثت أن انقلبت رأساً على عقب، وأصبح الإسرائيليون هم من يبحثون عن فلسطينيين يقبلون بالتطبيع معهم... فبعد أن كان تم رفع شعار: «المصالحة»، وأن محمود عباس (أبو مازن) قد بات يبدي استعداداً للقاء بنيامين نتنياهو وفي أي مكان يريده، أصبح نتنياهو هو من يبدي استعداده للقاء والتقاء أبو مازن في أي مكان يريده... وفي الليل أو النهار.
والمؤكد هنا هو أنّ الأمور في هذا المجال قد طرأت عليها متغيرات متعددة وكثيرة، وأن أيدي الإسرائيليين، قد أصبحت هي الدنيا، وأن يد الشعب الفلسطيني قد تحولت إلى اليد العليا، فصمود الشعب الفلسطيني وكفاحه متواصلان؛ دفاعاً عن أرضه وحقوقه، وإسرائيل تغرق بمتطرفيها وانقساماتها، وهكذا فإنه عندما يقول ويعلن نتنياهو أنه على استعداد للقاء الرئيس محمود عباس في أي مكان يريده، فإن هذا يعني بالفعل أن المعادلات قد تغيرت، وأن أيدي الفلسطينيين قد أصبحت هي العليا وأن أيدي الإسرائيليين قد أصبحت هي الدنيا... وأن الحركة الصهيونية قد أصبحت حركة مرفوضة حتى لدى غالبية أبناء الشعب اليهودي.
وعليه، فإن «الصهاينة»، الذين يزدادون تطرفاً ويمينية في المجتمع الإسرائيلي اليوم، قد باتوا يشعرون بأنهم قد أصبحوا مرفوضين من قبل العالم كله، وأنهم لم يعودوا مقبولين حتى من أنفسهم، وهذا ما يجعل نتنياهو يبدي استعداده للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أي مكان يريد... فَيدُ صاحب الحق قد أصبحت هي العليا... ويد الظالم والمحتل قد تحولت لأن تكون هي الدنيا.
ولذلك، وعلى الرغم من حجم الإجرام الذي تمارسه وتقترفه حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة هذه ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وهي حكومة باتت تضم عتاة التطرف وتحاول أن تجر نتنياهو وراءها في تفجير المنطقة كلها، فإن يد الشعب الفلسطيني هي الأعلى بالفعل، حيث بات هذا الشعب العظيم هو من يمسك بالأوضاع كلها، رغم ما يعانيه من جرائم يقاومها بصدوره العارية وبقوة الحق، وأن إسرائيل قد تحولت إلى دولة ضعيفة بائسة منقسمة تأكلها الخلافات الداخلية، ولن يطول الزمن حتى تستجدي التفاهم مع الشعب الفلسطيني، وبأي شروط يريدها... ويقيناً فإنّ هذه هي مسيرة التاريخ الفعلية والحقيقية... وهذا وإن طال الزمان أم قصر!!
وعليه، فإنه على المحتلين الصهاينة أن يدركوا ويعرفوا أنّ حركة التاريخ ليست لمصلحتهم، وأن محتلين كثراً قد مرّوا بفلسطين لكنهم ما لبثوا أن غادروها مهزومين مدحورين وهم لا ينظرون وراءهم... ولذلك فإنّه على من لا يريد من «الصهاينة» أن يتعايش مع الشعب الفلسطيني... فإن عليه أن يغادر من حيث جاء، وأن دنيا الله واسعة جداً في هذا المجال.
لم يكن هناك أبداً تفكير فلسطيني أو عربي بترحيل من جاء من اليهود «المسالمين» إلى فلسطين، فهؤلاء قد كانوا موجودين في الوطن العربي كله، وكانوا يُعامَلون وكأنهم أبناء وطن، ومثلهم مثل العرب، ومثل كل من جاء وافداً ولاجئاً من أربع رياح الكرة الأرضية القريبة والبعيدة.
لقد كان الوطن العربي في السابق وفي اللاحق يستقبل كل وافد من ديار الكرة الأرضية القريبة والبعيدة، وهذا ينطبق على أقطار الوطن العربي كلها... لكن ما جعل الأمور تنتهي إلى هذا الصراع في فلسطين الذي قد بات محتدماً هو أن الإسرائيليين قد جاءوا إلى هذه البلاد «فلسطين» ليسوا مجرد وافدين وفقط... لا بل قد جاءوا إليها محتلين أرادوا رمي الشعب الفلسطيني وراء حدود بلادهم.
وهكذا، فإنّ اليهود الصهاينة قد جاءوا إلى فلسطين، وطن الشعب الفلسطيني، وأحد أقطار الأمة العربية، غزاةً محتلين، وهذا هو واقع الحال الآن، حيث إنّ ما يريدونه ويسعون إليه الآن هو ابتلاع فلسطين كلها، ومن البحر إلى النهر، وحقيقة أنّ الصهاينة هم من نظروا إلى الوطن العربي كله نظرة المحتل والمُستعمر.
وعليه، فإنه لا سبيل لأيّ تفاهم مع صهاينة يصرون على احتلال ونفي الشعب الفلسطيني، وعدم الاعتراف بحقوقه الوطنية المشروعة والتاريخية في أرضه ووطنه. فالصهيونية حركة استعمارية، وهي عندما تنظر إلى فلسطين على أنها وطنٌ إسرائيليٌ ومن البحر إلى النهر، فإنها بذلك ستقضي على نفسها بالزوال، فلا سبيل للتعايش أو التفاهم معها، ليس فقط فلسطينياً، بل عربياً أيضاً.
على الإسرائيليين الذين باتوا يشعرون بأزمة إسرائيل ومجتمعها وانقساماته وتفتته أن يضغطوا حقاً وحقيقة على الحركة الصهيونية والصهيونيين المتطرفين؛ للتراجع عن احتلالهم للضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية المحتلة، وباقي الأراضي العربية المحتلة، وعليهم أن يسلموا بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية بإقامة دولته ونيل حريته، وأن يعيشوا، أي هؤلاء الإسرائيليين، بسلام مع جيرانهم الفلسطينيين، وأن يلفظوا من بين ظهرانيهم كل هؤلاء المتطرفين والمتعصبين وعتاة المجرمين الصهاينة، الذين يحكمون على إسرائيل، إن هم بقوا المتحكمين في القرار، بالزوال والاندثار، فالحق والمستقبل هما للشعب الفلسطيني والأمة العربية، والاحتلال والاستيطان إلى زوال... وإلى غير رجعة كما يقال.