بقلم:صالح القلاب
ليس هناك أصعب على الإنسان من العيش في وجع الذاكرة، فكيف بالشعوب؟! حقيقة أنّ ما تعرضت له الجزائر وما تعرض له الشعب الجزائري العظيم من الاستعمار الفرنسي... حقاًّ وفعلاً قد كان من أبشع كبوات التاريخ ومن أوجاع الماضي... وهذا لا يزال يطلق عليه: «آلام الذاكرة».
وبالطبع، وهذا يجب ألّا يترك... وحتى ولو بعد مائة عام وأكثر، فأوجاع الماضي لا يمكن أن تغيب ولكن بالإمكان أن يكون هناك تسامح فهذا الشعب الفرنسي ليس مسؤولاً عن هذا الماضي وحقيقة أنّ الجزائريين بأجيالهم الصاعدة لم يتجاوزوا هذه المرحلة... . وهذا مع أنهم قد فتحوا صفحة جديدة بينهم وبين فرنسا والشعب الفرنسي!
والمؤكد أنه لا بد من أن تكون هناك أوجاع لأيّ ماضٍ... وحتى بعد هذه الفترة التاريخية الطويلة وأنه لا بد من تسوية هذه الأوجاع... وهو ما يطلق عليه: «آلام الذاكرة»... ولكن وفي كل الأحوال فإنّ العلاقات الجزائرية – الفرنسية قد اتخذت مساراً جديداً... وهذا مع أنه لا تزال هناك آلام ذاكرة... وهذا ينطبق على ما كانت عليه الأمور بالنسبة لفترات ومراحل تاريخية قد أصبحت بعيدة.
إنّ هناك آلام ذاكرة حتى بالنسبة لبريطانيا العظمى وبالنسبة للشعوب التي كانت قد اضطهدتها في فترة تاريخية قد أصبحت بعيدة فالنسيان في هذا المجال غير ممكن... لكن الأمم قد اعتادت على التسامح، فالأشقاء الجزائريون الذين قد ذاقوا ويلات الاستبداد لأكثر من مائة وثلاثين عاماً ها هي العلاقات بينهم وبين الفرنسيين متألقة وفاعلة... وفي أفضل ما تكون عليه الأمور.
ويقيناً أنّ الشعب الفرنسي لا يزال يعرف أنّ الشعب الجزائري لا تزال لديه آلام ذاكرة لكن ومع ذلك، فإنّ العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد كل هذه الفترة الطويلة هي في أفضل تجلياتها، وهذا على اعتبار أنّ شعوب هذه المرحلة من المفترض أنها لا تتحمل مسؤوليات المراحل السابقة... وإلّا فإنّ التاريخ سيتوقف عند لحظة تاريخية قد كانت موجعة وقاسية.
إنه لا شك في أنّ الشعوب لا تنسى ولا يمكن أن تنسى... ولكنها ومع ذلك فإنها تلوذ بالتسامح وهذا هو ما يجري الآن بين الشعب الجزائري والشعب الفرنسي، فآلام الذاكرة يجب أنْ لا تستمر وإلّا فإنّ عالم اليوم سيكون استمراراً لعالم الأمس الذي قد بات بعيداً والذي لا يجوز أن يتحكم بشعوب ليس من المفترض أن تكون خاضعة لحركات التاريخ البعيدة.
وهنا فإنه لا بد من تنظيف القلوب وإنه لا يجوز أنْ تبقى فرنسا هذه بالنسبة للجزائر... وأيضاً بالنسبة للمغرب دولة معادية واستعمارية... والمعروف هنا أنّ الدولة الفرنسية في ذروة تألقها... وذروة استعمارها قد بقيت تجثم استعمارياًّ على الجزائر وشعبها لأكثر من مائة واثنين وثلاثين عاماً.
وهذا يعني أنه لا بد من تسوية أوجاع الماضي وإنهاء آلام الذاكرة... وإلّا فإنّ الصراع بين الأمم والشعوب سيبقى محتدماً إلى يوم يبعثون وهذا غير ممكن وعلى الإطلاق فالعلاقات الآن بين الجزائريين والفرنسيين في أفضل تجلياتها... ثم إنّ ما هو قائم الآن بين الأمة العربية وبريطانيا في ذروة تألقه... وهذا بعيداً عن الكبوات التاريخية السابقة والقديمة.
وعليه فإنّ ما يسمى: «آلام الذاكرة» لا يجوز أن يستمر ويتواصل وحيث إنّ العلاقات بين الذين كانوا قد استعمروهم وأذاقوهم الويلات من المفترض أنها قد انتهت وأنّ بريطانيا العظمى قد باتت دولة صديقة... وهذا ينطبق على الجزائر وعلى هذه الدولة الفرنسية... التي قد باتت تعتبر دولة صديقة.
فالمعروف هنا أنه قد كانت هناك «آلام ذاكرة» بين الدول المُستعمِرة والدول والشعوب المُسْتَعْمَرة... ولكن هذا يجب ألا يستمر ويتواصل إلى أبد الآبدين... فالفرنسيون الآن أعز الأصدقاء للجزائريين والمغاربة... وفرنسا تعتبر الآن بالنسبة للعرب كلهم دولة صديقة... وهذا ينطبق على بريطانيا والعديد من دول تلك المنطقة التي قد باتت بعيدة.
والمفترض هنا أنه لا بد من تسوية أوضاع الماضي... الذي قد بات بعيداً وفي كل الأحوال... وهذا من المؤكد أنه قد حصل وأنه لم يعد هناك ما يوصف بأنه: «آلام الذاكرة» التي إن كانت مواجهتها ضرورية ولازمة فإنها لم تعد كذلك في هذه الأيام وفي هذه المرحلة التاريخية... فالأمم والشعوب تتصافى في العادة... وإلّا فإن حركة التاريخ ستتوقف عند تلك اللحظة التاريخية المريضة.
لقد اختارت الجزائر لجنة من باحثين فرنسيين لإنهاء أوجاع الماضي... وحقيقة أنّ هذه الأوجاع قد انتهت، والمعروف أنّ فرنسا لم تعد دولة استعمارية... لا بل إنها قد أصبحت دولة صديقة، وإنّ العلاقات بينها وبين الدول العربية وبخاصة الأفريقية قد أصبحت في ذروة تألقها.
والمعروف أنه قد كانت هناك مشكلة للذاكرة في هذا المجال لكن حلولاً قد تمت لعلاج «قضية الذاكرة» هذه... لكن الجزائر، كما هو معروف، قد عبرت عن رفضها لهذا المضمون لأنه يطمس الممارسات الاستعمارية كجريمة ضد الإنسانية... وحيث إنّ «الإليزيه» قد أكد يومها على أنّ مسألة التوبة مستبعدة جدّا... وهذا على نحو ضد ما يرغب به الجزائريون.
وهنا فإنّ ما أغضب الجزائر هو أنّ ما تسمى لجنة المؤرخين الفرنسيين التي قد تشكلت لهذه الغاية، تغاضت عن حقائق كثيرة وأنّ الأمور في هذا المجال ستعود حتى في النهاية إلى الرئاسة الجزائرية.
والمعروف أنّ فرنسا ورغم كل ما فعلته وقامت به قد رفضت تقديم اعتذار إلى الجزائر بالنسبة للآلام التي كان قد تكبدها شعبها خلال المرحلة الاستعمارية... والمعروف هنا أنّ فرنسا لم تستجب لتقديم اعتذار إلى الجزائر والشعب الجزائري عن الآلام التي كانا قد تكبداها خلال الفترة الاستعمارية... وهكذا فإنّ الجزائر لا تزال تصر على تقديم اعتراف علنيٍّ من فرنسا لارتكابها جرائم ضد الشعب الجزائري.