بقلم - صالح القلاب
حتى لو أصرَّ القوميّون والعروبيّون، وأنا أحدهم، إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً، على أنَّ هناك إعلاماً عربياً واحداً، فإنّ الحقيقة هي أنَّ هناك إعلام دولٍ عربية وإعلام أحزابٍ وتنظيمات كل منها يغنِّي على ليلاه، وبالطبع فإنَّ هذا ليس مرفوضاً طالما أنه لا توجد دولة عربية واحدة ولا تنظيم عربي واحد بعدما انتهى حزب البعث إلى ما انتهى إليه، وهذا ينطبق على حركة القوميين العرب «الناصرية» وعلى كل الفصائل والتشكيلات التي رفعت راية العروبة في مرحلة عابرة ما لبثت أن تلاشت نهائياً وحلّت محلّها مرحلة التنظيمات الإقليمية والقطرية المتعدّدة، وهذا إنْ في مغرب الوطن العربي وإنْ في مشرقه أيضاً.
وبالطبع، فإنه يمكن القول إنه لم تعدْ هناك قضية عربية واحدة؛ إذْ إنَّه حتى قضية فلسطين ربما باتت قضية الفلسطينيين وحدهم، وحقيقة أنّ القيادة الفلسطينية إن في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، رحمه الله، وإن في هذا العهد عهد محمود عباس (أبو مازن) بقيت مرتاحة إلى هذا التحوّل وأنها عملياً لم تعدْ تعتبر أنّ هذه القضية الفلسطينية هي قضية عربية وقومية إلا عندما تقع «الواقعة» كما يقال!
وحقيقة، وهذا يجب أنْ يقال، إنه لم يرفع الفلسطينيون، أي منظمة التحرير وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وباقي الفصائل الفلسطينية الرئيسية، شعار «الممثل الشرعي والوحيد» للشعب الفلسطيني، إلّا بعد تجاوزات بعض الأنظمة العربية التي باتت تصف نفسها بأنها قومية، وباتت تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون الفلسطينيين الداخلية؛ وهذا هو ما أدّى إلى الإقدام على هذه الخطوة التي إذا أردنا قول الحقيقة، فإنها كانت ضرورية ولا بدَّ منها، وبخاصة بعدما أصبحت هناك: «عملية سلام»، وأصبح هناك من الضروري أنْ يمسك الشعب الفلسطيني قضيته بيده، ولكن بالتنسيق مع الدول العربية التي بقيت تتعاطى إيجابياً مع هذه القضية التي هي وبالطبع قضية العرب كلهم، لكن من دون أي تدخلٍ «سلبيٍ» في شؤون هذا الشعب الداخلية.
وهنا، فإنّ ما تجدر الإشارة إليه هو أنّ الفلسطينيين، والمقصود هو حركة «فتح» عندما كانت في بداياتها، قد حاولوا «تقليد» الثورة الجزائرية بقيادة هواري بومدين التي كانت قد رفضت رفضاً قاطعاً أي تدخلٍ في شؤونها الداخلية حتى من قبل الرئيس المصري «الراحل» جمال عبد الناصر، رحمه الله، وحقيقة إنّ هذا قد ثبت أنه كان ضرورياً، بعدما أصبح هناك العديد من التنظيمات الفلسطينية الفعلية والوهمية إلى جانب الحركة الرئيسية التي هي حركة «فتح»، والتي كانت قد تعرّضت لعددٍ من الانشقاقات التنظيمية التي كانت تقف خلفها بعض الأنظمة العربية، كالنظام السوري الذي كان قد شكّل تنظيمه الخاص الذي هو: طلائع حرب التحرير الشعبية – قوات الصاعقة، وكالنظام العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين الذي كان شكّل جبهة التحرير العربية، وأيضاً كنظام معمر القذافي الذي كان قد تبنّى وإنْ لفترة محدودة الجبهة الشعبية – القيادة العامة التي على رأسها أحمد جبريل.
إنه لا ضير إطلاقاً في أن تكون هناك، إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً، تنظيماتٌ حزبية فلسطينية متعدّدة، وبخاصة ما دام أنّ الشعب الفلسطيني كان موزعاً بين العديد من الدول العربية، وما دام أنّ هذا الشعب يشكلُّ جزءاً من هذه الأمة العربية التي كانت قد شكلت أحزاباً متعدّدة، لكن ما هو غير مقبولٍ وغير ضروري هو أنه تكون مثلما كانت هناك إلى جانب التنظيم الفدائي الرئيسي الذي هو «قوات العاصفة» التابعة لحركة «فتح» عددٌ من التنظيمات «الفدائية» الوهميّة التابعة إلى دولٍ عربية كُلُّ ما يهمُّها هو أنْ يكون لها امتدادٌ في الشؤون الفلسطينية الداخلية، وحقيقة أنّ هذا قد شكّل عبئاً ثقيلاً على منظمة التحرير وعلى قوات العاصفة «الفتحاوية» وعلى الشعب الفلسطيني إنْ في فلسطين المحتلة، وإن في العديد من الدول العربية التي بعضها كان ولا يزال يعتبر أنّ من حقّهِ أنْ يكون شريكاً في المنظمة الفلسطينية.
والمعروف في هذا المجال، أنه لمْ تعدْ هناك تنظيمات فلسطينية فعليّة في الدول العربية بصورة عامة، الّلهم باستثناء، المملكة الأردنية الهاشمية؛ وذلك بحكم أنّ هذا البلد يعتبر بوابة الضفة الغربية وأنّ هناك تداخلاً سكانياً بين غربي نهر الأردن وشرقيه، وحيث إنّ «الضفتين» كانتا قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 وبعد ذلك دولة واحدة، وإنّ هذا لم يطرأ عليه أي تغيير إلّا بعدما أصبحت هناك السلطة الوطنية الفلسطينية، وبعدما بات هناك اعتراف عربي ودولي بهذه السلطة كدولة لفلسطين التي أصبحت عضواً في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الأردن كان أولَّ الدول العربية التي اعترفت بـ«السلطة الوطنية الفلسطينية» كدولة لها سفارة في عمان وللأردن سفارة في القدس الشرقية، والمعروف أنّ العلاقات بين الطرفين؛ الأردني والفلسطيني، علاقات تكاملٍ في المواقف بالنسبة لقضية فلسطين وبالنسبة لكلِّ شيءٍ، وحيث إن الطرق بين عمّان ورام الله كانت ولا تزال آمنة وسالكة رغم وجود الإسرائيليين على غربي نهر الأردن منذ يونيو (حزيران) عام 1967.
ثم، وإنّ ما لا يعرفه حتى بعض العرب، هو أنّ الوجود الفلسطيني فيما كان يعرف بشرقي الأردن قبل عام 1948 وبعده كان وجوداً رئيسياً، وأنّ الفلسطينيين على اعتبار وحدة الضفتين، أي الضفة الغربية والضفة الشرقية، قد أصبحوا أردنيين مثلهم مثل أبناء الضفة الشرقية وحيث باتوا يتبوؤون أعلى وأهم المناصب، وهذه مسألة باتت لا نقاش فيها بعد احتلال إسرائيل غربي نهر الأردن، ومن ضمنه القدس الشريف.
ويمكن القول في هذا المجال، إنّ هذه المسألة قد تكون، وهي ستكون شديدة التعقيد؛ إذْ إنّ بعض الفلسطينيين الذين أصبحوا أردنيين إنْ بعد عام 1948 وإنْ بعد احتلال عام 1967 سيصرّون على أن تكون لهم هوية فلسطينية إلى جانب هويتهم الأردنية؛ مما يستدعي التفكير بهذه المسألة، التي ستكون معقدة، منذ الآن والتي تقتصر على المملكة الأردنية الهاشمية من بين الدول العربية كلها، وحيث إنها - أي هذه المسألة - ستثار وبالتأكيد عندما سينسحب الإسرائيليون من الضفة الغربية المحتلة، وتصبح هناك دولة فلسطينية مستقلة سيتمسك بها غالبية الفلسطينيين وعاصمتها بالطبع القدس الشرقية.
إنه بات واضحاً وأيضاً ومعروفاً، أنّ هناك عملية سلامٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد باتت مؤكدة وقريبة، وهذا يعني أنه لا بدَّ من الأخذ بعين الاعتبار أنه لا بدَّ من أنْ تترتّب على هذه المسألة تعقيدات ومشاكل كثيرة مما يتطلَّبُ ألا تُترك الأمور إلى مستقبلٍ بات قريباً، وقد يأتي بمفاجآت كثيرة.