توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الإخوان» كانوا زمان وانتهوا كحركة سياسية!

  مصر اليوم -

«الإخوان» كانوا زمان وانتهوا كحركة سياسية

بقلم: صالح القلاب

لم يخطُرْ على بالِ أحدٍ أنه عندما كان الحبيب بورقيبة في ذروة تألّقه وكان حزبه (الحزب الحرّ الدستوري) يضمُّ أهم رجالات الدولة التونسية وليس له أي تنظيمٍ منافسٍ، أنّ الرئيس جمال عبد الناصر سيعد حينها الزعيم الأوحد إنْ من قِبل أتباعه والمعجبين به وإنْ من قِبل الرأي العام في مشرق العالم العربي وفي مغربه، وحيث كان حزب «البعث» عندما لم يضربه داء التشرذم والانقسام بعد قد تمكّن من السيطرة على «قطرين» عربيين رئيسيين هما سوريا والعراق، وكان بعض الطلبة «التوانسة» قد تعرّفوا على هذا الحزب والتحقوا به بعدما حصلوا على «منحٍ دراسية» في الجامعات العراقية وفي الجامعات السورية.
كان راشد الغنوشي قد تتلمذَ سياسياً على إذاعة «صوت العرب» التي كانت تبثُّ من القاهرة، وكان صوت الإذاعة التونسية حتى في ذروة تألّقِ الحبيب بورقيبة وحزبه (الحزب الحرّ الدستوري) لا يصلُ إلى قرية «الحامة» في أقصى الجنوب التونسي التابعة لولاية «قابس».
ثمَّ ولأنه كان يعد نفسه «ناصرياً» فإنه قد ذهب إلى مصر في 1964 لإتمام دراسته الزراعية في جامعة القاهرة، لكنه بعد انتظارٍ دام نحو شهرين من دون أن يحصل على ما كان يريده، نصحه بعض معارفه وأصدقائه بأنْ يذهب إلى دمشق ليكمل دراسته في جامعتها، وهناك التحق بحزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي كان قد شكّله جمال الأتاسي بعد اختلافه مع حزب «البعث» نظراً لأنه كان ناصرياً، وأصبح، أي الغنوشي، مسؤولاً للجناح الطلابي في هذا الحزب الذي ما لبث أنْ تلاشى بعد مستجدات سياسية إنْ في سوريا وإنْ في المنطقة كلها.
وعندما اندلعت حرب يونيو (حزيران) عام 1967 حمل راشد الغنوشي السلاح مثله مثل معظم الطلبة العرب الذين كانوا في دمشق، لكنه وبعدما أنهى دراسته في جامعة دمشق في عام 1968 ذهب في رحلة أخذته إلى عددٍ من الدول الأوروبية، ويقال إنه خلال جولته هذه التقى بعض المواطنين الباكستانيين الذين، كما قيل، هم من وضعوه على بداية الطريق إلى التيار «الإخواني» الذي أخذه لاحقاً إلى دولٍ عديدة.
ويبدو، كما يتردد، أنَّ انتقالة الغنوشي النهائية من «القومية الناصرية» صوب «الإسلامية» كانت بعد عودته إلى بلده تونس من فرنسا مروراً بالجزائر، حيث التقى أحد أكبر علمائها.
وفي تونس حيث حضر عزاء وفاة والدته كان قد التقى الشيخ عبد الفتاح مورو في أحد المساجد، وهناك كانت البداية للتخلّي عن «الناصرية» نهائياً والانتقال صوب التيارات المحسوبة على «الإخوان المسلمين» الذين تعزّزت علاقاته بهم لاحقاً خلال إقامته الطويلة في لندن ثم عودته إلى تونس، علماً أنه حكم عليه بالسجن لفترات متعددة خلال فترة حكم بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي.
وهنا فإنه عليَّ أنْ أشير إلى أنني قد زرته في بيته بعد إطلاق سراحه، وحقيقةً أنني كنت أعتقد أنه لا يزال «قومياً وناصرياً»، ولم أعرف أنه كان قد انخرط في حركة إسلامية هي «حركة النهضة»، وأنه بقي ولعدد من السنوات متنقلاً بين دولٍ وعواصم كثيرة إلى أنْ عاد إلى بلده في عام 2011 بعد أولى ثورات الربيع العربي.
وبعد العام 2015، كثر الكلام عن ارتباط إسلاميي «النهضة» التونسية بالتيار «الإخواني» الذي يستضيفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي بات يُنظر إليه بوصفه مرشداً لـ«الإخوان المسلمين» بعدما اُضطرَّ قادة «إخوان مصر» إلى مغادرة بلادهم وانتقالهم إلى إيران وإلى تركيا وانتقال بعضهم إلى بريطانيا التي كانت قد احتضنتهم منذ بدايات تأسيسهم بقيادة حسن البنا في عام 1928، الذي كان قد تم اغتياله في الثاني عشر من فبراير (شباط) عام 1949.
والمعروف أنه بعد حسن البنا الذي هو مؤسس الجماعة والمرشد الأول (1928 – 1949) قد تبوّأ هذا الموقع المهم جداً حسن الهضيبي (1949 – 1973) وعمر التلمساني (1973 – 1986) ومحمد حامد أبو النصر (1986 – 1996) ومصطفى مشهور (1996 – 2002) ويبقى أنّ هؤلاء، أي «الإخوان»، قد أصبحوا تنظيماً ممنوعاً في عدد من الدول العربية والإسلامية وأنهم صُنفوا تنظيماً إرهابياً في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وفي بعض دول الخليج العربي، وأنَّ هذا الاسم قد اختفى نهائياً في هذه المنطقة كلها، وأنه قد حلّت محلّهُ أسماء أخرى كثيرة لا ضرورة للإشارة إلى ذكرها، وربما هذا هو ما جعل «حزب النهضة» في تونس يتجنّب أي إشارة إيجابية لاسم «الإخوان المسلمين».
ومشكلة الغنوشي، الذي بدأ قومياً وناصرياً والذي اختار دمشق «البعثية» عندما خذلته القاهرة الناصرية، ولكن بعيداً عن «البعث» الذي كان قد أصبح في مواجهة مع الرئيس جمال عبد الناصر، أنه قد ارتدى العباءة والعمامة المحسوبة على تيارات إسلامية إخوانية متأخراً جداّ عندما أصبح «الإخوان المسلمون» تنظيماً محظوراً في معظم الدول العربية وفي عدد من الدول الإسلامية والدول الغربية الأوروبية، وهذا كله سيدفع ثمنه باهظاً رجب طيب إردوغان الذي من الواضح أنه بات حائراً بين «عثمانيته» و«إخوانيته» والذي لا يمكن أنْ يقبل «الإخوان» المصريون بأنْ يكون مرشدهم الأعلى بالنتيجة.
وعليه، ويقيناً، إنّ الأفضل لراشد الغنوشي أنْ يبتعد عن «الإخوان» نهائياً وأنْ يكتفي بالانتقال من «الناصرية» إلى «النهضة»، فـ«الإخوان المسلمون» باتوا يُعدّون تنظيماً إرهابياً في معظم دول العالم العربي، وحقيقةً في معظم دول العالم، ثمّ إنّ حكاية هذه «النهضة» لم تعدْ مُقنعة، وإنه من الأفضل له أنْ يكتفي من الغنيمة بالإياب، فمعطياتُ هذا الزمان غير معطياتِ الأمس البعيد، والمؤكّد أنّ الشعب التونسي لم يعدْ يقبلُ بماضٍ بات بعيداً وبإخوان عام 1928!
إنَّ تونس، هذا البلد الجميل بهذا الشعب الطيّب، لا يمكن أنْ تقبل بأنْ تعود إلى الخلف؛ لا إلى «نهضة» راشد الغنوشي ولا إلى «الإخوان المسلمين» الذين تجاوزتهم حركة التاريخ بنحو قرنٍ كاملٍ، فهناك أجيال صاعدة همومها ليست هي الهموم «الإخوانية» البالية وأيضاً ولا الهموم «البعثيّة» و«الناصريّة» و«الشيوعيّة»، ولذا فإنّ المعركة المحتدمة في هذا البلد الجميل الآن هي معركة بين الماضي الذي بات بالياً وغير مقبولٍ وبين معطيات القرن الحادي والعشرين الذي وضع كل قديمٍ خلفه والذي قيمهُ ومتطلباتهُ باتت قيم ومتطلبات الأجيال الصاعدة التي عليها أنْ تواكب حركة التاريخ وتترك كل قديمٍ لأهله القدماء!
كان الحبيب بورقيبة، رحمه الله، ورغم كل ما يؤخذ عليه قد وضع تونس الخضراء على مسار حركة التاريخ، وهنا فإنَ الكلَّ يعرف أنه قد اكتفى من هذه الدنيا بقبره في «المينستير»، وبأنه قد وضع بلده الجميل على طريقٍ غير طريق «نهضة» الغنوشي وغير طريق «الإخوان المسلمين» ولا أحزاب القرن العشرين التي لم تتركْ لهذه الأجيال الصاعدة إلّا ما تركته الانقلابات العسكرية كما هو واقع الحال في سوريا أُمُّ الانقلابات العسكرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الإخوان» كانوا زمان وانتهوا كحركة سياسية «الإخوان» كانوا زمان وانتهوا كحركة سياسية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon