بقلم: صالح القلاب
خلافاً لما هدد وتوعد به الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فإن فائز السراج رئيس ما سمي حكومة الوفاق الوطني، التي كانت تشكلت في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، قد أعلن أنه سيُسلم السلطة للمجلس الجديد وكان مستشاره الإعلامي حسن الهوني أكد أنه لن يكون معرقلاً لتسليم السلطة للحكومة الجديدة، نافياً ما تناقلته وسائل الإعلام حول وضعه شروطاً ليسلم هذه السلطة، وهذا في حين أن هناك إصراراً دولياً بصورة عامة على ضرورة مغادرة أي قوات أجنبية وأي «مرتزقة» على الأراضي الليبية.
وهذا كله قد جاء في حين أن المستغرب أن الرئيس إردوغان ما زال يُصر على «عثمانية» هذا البلد العربي، وأنه لن يتخلى عن أتراك ليبيا «كورأوغلو»، وأنه بصدد إرسال دفعة جديدة من المرتزقة السوريين إلى طرابلس الليبية، مع أن حكم الخلافة في ليبيا كان قد انتهى في عام 1918، وأن الليبيين قد حسموا أمرهم في مفاوضات بإشراف دولي على توحيد بلدهم وعلى مصالحة وطنية وعلى تسوية تهيئ لانتخابات ديمقراطية شاملة في نهايات العام الحالي، يشارك فيها الشعب الليبي كله في كل أقاليم ما كان يسميها العقيد معمر القذافي الجماهيرية الليبية.
ولعل ما بات واضحاً، اللهم إلا إذا استجد ما لم يكنْ في الحسبان، أن رجب طيب إردوغان يفكر بل ويسعى جدياً إلى أن تكون له «حصة» مجزية في التسوية الليبية، وعلى اعتبار أن ليبيا كانت جزءاً من دولة الخلافة العثمانية التي يعتبر أنها لا تزال قائمة حتى الآن، وأنها تمتد من أقصى مناطق كردستان العراقية في الشرق مروراً بسوريا بالطبع وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط واليونان وإلى جزيرة قبرص التي يصر على تقسيمها إلى دولتين؛ دولة تركية في جزئها الشمالي ودولة يونانية في جزئها الجنوبي لا يكون لها أي ارتباط مع دولة اليونان الحالية!!
والمعروف أن البرلمان التركي الذي يسيطرُ عليه حزب إردوغان، حزب العدالة والتنمية، كان قد اتخذ قراراً بتجديد الوجود التركي في ليبيا، ما شكل استفزازاً لكل الدول المعنية العربية وغير العربية، وأغلب الظن، لا بل المؤكد، أن هذا هو ما دفع هذه الدول الثلاث: مصر واليونان وقبرص إلى الإعلان عن تحالفها الثلاثي الذي هو تحالف عسكري بالأساس، والذي هدفه التصدي للتدخل التركي وربما الروسي أيضاً في ليبيا وفي المياه الإقليمية، التي يعتبرها الرئيس التركي مياهاً إقليمية تركية تسمح لتركيا بأن يكون لها امتداد عسكري وسياسي، وبالتالي اقتصادي في كل الدول المشاطئة والمطلة على هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة إنْ الآن وإنْ في التاريخ الذي أصبح بعيداً لكن تأثيره لا يزال مستمراً ومتواصلاً حتى الآن!!
ومشكلة إردوغان التي باتت تؤرقه في ليله ونهاره والتي غدت تجعل تطلعاته التوسعية سياسياً وعسكرياً محدودة إنْ في سوريا وإنْ في العراق وأيضاً إنْ في اتجاه قبرص وليبيا ومياه البحر الأبيض المتوسط في تلك المنطقة التي كانت دائماً وأبداً «استراتيجية»، وفي السابق البعيد والحاضر الملتهب والمستقبل الذي سيكون فترة صراعات طاحنة لتركيا فيها ولروسيا أيضاً وغيرهما كإسرائيل أدوار رئيسية، أن «الأكراد الأتراك» باتوا يشكلون الخطر الرئيسي عليه وعلى تطلعاته التوسعية، حيث إن حزب العمال الكردستاني – التركي الذي كان قد بدأ في سوريا بقيادة عبد الله أوجلان في أواخر سبعينات القرن الماضي، الذي لا يزال نزيل أحد السجون التركية بعدما فرضت تركيا على النظام السوري طرده من أراضيها بعدما اشتد صراع حزبه العسكري المسلح ضد الدولة التركية.
في عام 1998، اشتد ضغط تركيا على النظام السوري لإخراج عبد الله أوجلان وحزبه، حزب العمال الكردستاني – التركي، من أراضيها وأيضاً من منطقة البقاع اللبناني (العسكرية)، وحقيقة أنه لو لم تستجب دمشق لذلك التهديد التركي لكان الأتراك قد اجتاحوا «القطر العربي السوري» إلى ما بعد درعا على الحدود الأردنية، ولكانت الأمور في هذه المنطقة غير هذه الأمور، إذْ إن أنقرة قد اعتبرت أن هذه المسألة مسألة حياة واعتقدت أن إخراج هذا الحزب وقيادته من هذا البلد العربي سيعني نهايته، لكن ما حصل هو أنه، أي هذا الحزب، قد أصبح قوة رئيسية لها وجودها الفاعل في معظم مناطق سوريا الشمالية – الشرقية وصولاً إلى كردستان العراقية، وهو أن أكراد تركيا باتوا يتحوّلون إلى قوة معارضة داخلية ضد نظام رجب طيب إردوغان الذي بات «يهرب» من وضعه الداخلي المتفاقم إلى تدخلاته العسكرية الخارجية والوصول، بالإضافة إلى قبرص وإلى المياه الإقليمية اليونانية، إلى طرابلس الليبية، وكما هو واقع الحال الآن.
وهكذا، فإن المؤكد أنه إذا بقي إردوغان «راكباً رأسه» على هذا النحو، وأنه إذا بقي يعتبر أن ليبيا أملاك عثمانية له الحق في أنْ تكون له حصة مجزية فيها، فإنه سيجد نفسه ذات يومٍ قريبٍ في أوضاعٍ مأساوية إنْ داخلية وإنْ خارجية، فالمعارضة الكردستانية (التركية) أصبحت قوة فعلية لها وجودٌ عسكري في العديد من المناطق السورية المتاخمة لتركيا والعديد من المناطق العراقية في كردستان العراق، ولذلك فإن المؤكد أن «التغلغل» التركي في الأراضي السورية لن يبقى طويلاً، وأن الرئيس التركي سيجد نفسه ذات يومٍ في مواجهة معارضة فاعلة وفعلية لا قدرة له على مواجهتها لا سياسياً ولا أمنياً، وهذا تطورٌ بات قريباً وليس بالإمكان الهروب منه.
وبالطبع، فإنه لم يعدْ أمام رجب طيب إردوغان بعد استنزاف كل مناوراته الداخلية و«إنجازاته» العسكرية الخارجية إنْ في سوريا وإنْ في قبرص وأيضاً إنْ عبر البحر الأبيض المتوسط في اتجاه ليبيا، التي باتت تستعيد قوتها ووحدتها ومعها العرب، إنْ ليس كلهم فمعظمهم، إلا أنْ يقوم بانقلابٍ عسكري جديدٍ على غرار كل الانقلابات العسكرية التي كانت شهدتها تركيا، بداية بانقلاب مصطفى كمال (أتاتورك) ضد الخلافة العثمانية وانتهاءً بكل هذه الانقلابات العسكرية التي شهدها هذا البلد الذي أسوأ ما وصل إليه هو هذا النظام البائس، الذي بات يهرب من أزماته الداخلية الطاحنة بتمدده العسكري الاستعراضي في البحر الأبيض المتوسط، وفي اتجاه قبرص وأيضاً اتجاه طرابلس الليبية التي اعتبرها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية التي هو وريثٌ لها!!
إن على رجب طيب إردوغان أنْ يدرك أنه قد مر على تركيا بعدما حوّلها مصطفى كمال (أتاتورك) من «إمبراطورية» عظيمة كان لها مكانها الفعلي والفاعل تحت الشمس إلى دولة حكمها كثيرون من أمثاله ما لبثوا أنْ غادروا كما جاءوا وبعضهم قد لجأ إلى الانقلابات العسكرية، كما يفكر هو حالياً بانقلابه العسكري الذي من المؤكد أنه ستتبعه انقلابات عسكرية كثيرة، وإنْ لم يغتنم شعب تركيا العظيم لحظة تاريخية ملائمة ويصحح مسار بلاده في الاتجاه الديمقراطي ويتخلص نهائياً من كل هؤلاء الذين قد لعبوا بمقدرات هذا البلد العظيم، الذي من سوء حظ شعبه أنه ابتُلي بمنْ هم مثل رئيسهِ الذي عندما أحاطت به التحديات لم يجدْ ما يفعله سوى الهروب إلى الخارج وحتى إلى ليبيا الأفريقية التي يعتبرها «أملاكاً» عثمانية، وهذا مع أن من قضى على دولة الخلافة العثمانية هو مصطفى كمال (أتاتورك) الذي يتباهى به إردوغان ويحاول تقليده في كل شيء، ولكن بلا إنجاز حتى ولا خطوة واحدة في هذا الاتجاه!!