بقلم: صالح القلاب
ليس مستغرباً، كما يقول كثيرٌ من العراقيين، أنْ يعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقية ومستشار الأمن القومي العراقي السابق فالح الفياض لصلته بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ولأنّ عناصر من «الحشد» متحالفة مع إيران، قد هاجمت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 المدنيين العراقيين الذين كانوا يتظاهرون ضدّ الفساد والبطالة والركود الاقتصادي وضدّ «التدخل الإيراني»، وهذا هو الأهم في شؤون العراق الداخلية، وبدعم من «الحرس الثوري» الذي يشكل قوة مسيطرة في هذا البلد العربي منذ إطاحة نظام صدام حسين وإعدامه حتى الآن!!
والمعروف أنّ «الحشد الشعبي» هو في حقيقة الأمر «ميليشيات» طائفية تصل أعداد منتسبيها إلى أكثر من 200 ألف فرضت على الجيش العراقي فرضاً لتكون جزءاً رئيسياً منه، وهذا مع أنها في حقيقة الأمر موالية لإيران وتعتبر تشكيلاً إيرانياً لا سيطرة لوزارة الدفاع العراقية عليه، وأنّ قائده فالح الفياض، المتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة، لا يخضع بتصرفاته ولا بكل ما يقوم به للحكومة العراقية، وإنما للإيرانيين أصحاب النفوذ الفعلي في هذا البلد العربي ولأتباعهم من العراقيين الذين تديرهم وتتحكم به العوامل المذهبية، لا الانتماءات الوطنية، ولا القومية.
وبالطبع، فإنّ المقصود هنا هو ليس «الشيعة العرب» الذين بقوا قوة قومية وعروبية فاعلة على مدى المراحل التاريخية العربية القريبة والبعيدة... سواء في المرحلة العثمانية أو قبل ذلك في العهد الصفوي، وأيضاً في فترة الاستعمار البريطاني، حتى الآن، وهكذا فإنّ هذا البلد العربي بات يخضع لاحتلال إيراني منذ ما بعد حرب الثمانية أعوام العراقية - الإيرانية، وتحديداً منذ الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين هام 2003، وهنا فإنّ المسؤول عن كل هذا الذي يجري في بلاد الرافدين هو الولايات المتحدة التي كان عليها كدولة محتلة ومستعمِرة أنْ تحافظ على بلد، باتت هي المسؤولة عنه، وألا تفتح حدوده الشرقية أمام الأطماع الفارسية.
وحقيقة... وهي حقيقة مُرّة بالفعل، أنّ هناك احتلالاً إيرانياً للعراق، لكل العراق، فـ«الحشد الشعبي» هو في حقيقة الأمر جيشٌ طائفي إيراني، رغم صلته الشكلية بالجيش العراقي، وكان يتبع لـ«فيلق القدس» الذي كان يقوده قاسم سليماني، الذي حلّ محله، بعدما تخلص منه الأميركيون في تلك العملية المعروفة، عبد العزيز المحمداوي، ثم إنه لا بدّ من التأكيد مرة ثانية على أنّ شيعة العراق بغالبيتهم يرفضون اختطاف هذا النظام الإيراني الذي يتكئ على معطيات وأبعاد فارسية وصفوية قديمة، لبلدهم، وأنهم يتمسكون، وهذا معلنٌ ويجرى التعبير عنه يومياً، بدولة عراقية مستقلة ذات بعد قومي عربي، وعضو فاعل في الجامعة العربية، ومفتوحة أبوابها للعرب كلهم، في الأقطار المحاددة والقريبة وفي الأقطار البعيدة.
وهنا، فإن العراقيين، السنة والشيعة، يريدون بالتأكيد علاقات حسن جوار مع إيران التي يربط بلدهم بها تاريخ طويل، قبل الإسلام العظيم وبعده.
لكنّ المفترض والمطلوب ومن قبيل حسن النوايا أنْ تضع «دولة الولي الفقيه» حداً لتدخلها العسكري والأمني والسياسي والطائفي والاحتلالي في العراق، وألا يكون فيه «الحشد الشعبي» ولا غيره، وأنْ تحترم إرادة الشعب العراقي، وتحترم القيادة والحكومة، وأيضاً تحترم رموزه وأحزابه وقواه السياسية... وإلّا فإنّ القادم سيكون أعظم، والعراقيين لن يسكتوا عن هذا الاحتلال، وعن هذه الهيمنة الإيرانية، وإنّ غداً لناظره قريب... وهذا بالتأكيد يعرفه المرشد الإيراني علي خامنئي تمام المعرفة.
والمشكلة هنا هي أنّ أصحاب القرار في إيران لا يعرفون هذه اللغة التي يخاطبهم بها غالبية العراقيين، ومعهم العرب، ويعتبرون أنه قد أصبحت هناك لحظة تاريخية، لا بدّ من استغلالها لاختراق هذه المنطقة العربية كلها، وهذا ما يؤكده التدخل الإيراني الاحتلالي في العراق، كما هو واقع الحال، وفي سوريا، وفي لبنان، وأيضاً في اليمن وفي بعض دول المغرب العربي، ولكن بصورة غير مكشوفة، وعلى أساس أنّ هناك تحالفاً إيرانياً - تركياً، وأنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لديه أوهام توسعية إقليمية، كما هي أوهام دولة الولي الفقيه، ما جعلها تقيم دويلات مذهبية داخل بعض الدول العربية.
إنه لمعروفٌ، إلّا لمن لا يريد أن يعرف، أنّ هناك تدخلاً إيرانياً سافراً في سوريا، وأنه لولا هذا التدخل العسكري والأمني والسياسي في هذا «القطر العربي» الذي لا يزال يرفع شعار «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة»، ولا يزال يرفع العلم العربي، علم «البعث» بألوانه الأربعة...
بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا
خضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا
لكان بشار الأسد الآن، إما تحت التراب في مقبرة «الدحداح»، أو في أحد السجون التي بقيت لسنوات طويلة تضم خيرة قادة سوريا ورجالاتها، ولكانت هضبة الجولان قد عادت إلى أهلها، وإلى ما كانت عليه قبل حرب عام 1967!!
والواضح أنّ إيران مصرّة على التدخل الاحتلالي في الشؤون العربية حتى النهاية، وأنها لن تتورّع عن أن تستخدم العامل الطائفي والمذهبي حتى النهاية، والمعروف أنها قد حقّقت حتى الآن 4 اختراقات خطيرة في 4 دول عربية، هي سوريا ولبنان واليمن والعراق.
والمعروف أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله قد أعلن من ضاحية بيروت الجنوبية أنه مع دولة الولي الفقيه، وذلك في حين أنّ اليمن قد يتبع العراق، وأنّ «آية الله العظمى» قد يفرد عمامته السوداء فوق هذه المنطقة كلها.
والمشكلة هنا أنّ تركيا الإردوغانية «متآمرة» في هذا المجال مع إيران، لأنها تسعى لأخذ أكثر مما أخذته من سوريا، ولأنّ عينها باتت مركزة على شرق البحر الأبيض المتوسط، ولأنها قد احتلت طرابلس الليبية، وتسعى لاحتلال مزيد من «الجماهيرية» السابقة، ولأن «الحوثيين» قد باعوا «اليمن السعيد» إلى جماعة قاسم سليماني، ولأنّ الأمة العربية لم تمرّ بمثل هذه الأوضاع السيئة التي تمرُّ بها الآن!!
وإذا كان هناك أمل من الممكن المراهنة عليه، فهو هذا الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية، وهو هذا الذي يقوم به الملك سلمان بن عبد العزيز، أطال الله في عمره، ومعه ولي العهد، الصاعد كالسهمٍ، الأمير محمد بن سلمان، وهو أيضاً هذه الرسالة الخالدة التي لا تزال تتمسك بها شعوب هذه الأمة... أي الأمة العربية.
وعليه، وفي النهاية، فإنه يجب التصدي لهذا الاختراق الإيراني الخطير جداً، الذي هو رأس الحربة الفارسية في الخاصرة العربية، ومع ضرورة أنْ تكون هناك مواجهة شاملة للذين تخلوا عن عروبتهم وعن أمتهم، وباعوا أنفسهم لدولة الولي الفقيه، تحت عنوان طائفي مقيت، ومع ضرورة أن يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار أنهم سيدفعون الثمن غالياً في النهاية.