بقلم: صالح القلاب
كان قد تردّد قبل أيام معدودات، ومن دون أي «تفاصيل»، أنّ هناك فكرة أو تفكيراً لدى بعض العرب لـ«تعويم» بشار الأسد ونظامه ودعمه للسيطرة على بعض مناطق ومدن سوريا الرئيسية ولملمة الأوضاع المشتَّتة بهذا البلد العربي الذي بات ممزَّقاً ويخضع لاختلالات كثيرة من بينها احتلال وسيطرة بعض التنظيمات الإرهابية كـ«داعش»، إضافة لبعض الدول القريبة والبعيدة كتركيا وبالطبع إسرائيل وإيران وروسيا، وكل هذا في حين أنّ الجيش السوري عبارة عن مجموعات مفكّكة وليس قوة قتالية موحدة، وذلك مع أنّ هناك هيئة أركان من ثلاثين ضابطاً كبيراً يمثلون خمس جبهات في «القطر العربي السوري» الذي وفقاً لمنظمة العفو الدولية، وقبل سنوات باتت بعيدة، قد تجاوز عدد السوريين الذين أُعدموا في سجونه ثلاثة عشر ألفاً ومن دون أي محاكمات ولو وهمية أو شكلية!
إنه بالإمكان التقاط هذه «الفكرة» والبناء عليها ومع الأخذ بعين الاعتبار كل ما ارتكبه هذا النظام، إنْ في عهد الوالد حافظ الأسد وإنْ في عهد الابن بشار، من جرائم باتت معروفة ومؤكدة في أربع رياح الأرض، وحيث لو أنّ هذا البلد العظيم الذي أصبح اسمه، بعد حكم حزب البعث وإنْ شكلياً، «القُطر العربي السوري»، قد أصبح ممزقاً وعلى هذا النحو، وأصبحت السيطرة فيه حتى في بعض أجزاء دمشق وحتى في حوران ودرعا والسويداء، لشذّاذ الآفاق والتنظيمات الإرهابية، وهذا بالإضافة للإيرانيين والروس والأتراك وبعض الدول المجاورة والبعيدة ومن بينها إسرائيل التي باتت تحتل هضبة الجولان حتى دمشق!
ثم ما تجدر الإشارة إليه أيضاً هو حال المعارضة السورية التي تقدَّر فصائلها بألف فصيلٍ إسلامي وسلفي ومعتدل ومتطرفٍ «وما هبّ ودب» وهي تضم، كما يقال ويتردّد، مائة ألف مقاتل حقيقي ووهمي، وأنّ أول لقاء بينها وبين نظام بشار الأسد ما غيره، كان في 25 يناير (كانون الثاني) 2014 وبحضور الأخضر الإبراهيمي لإطلاق مفاوضات سياسية تُنهي الأزمة المدمرة، وحيث إن الوفدين دخلا قاعة الاجتماعات من بابين منفصلين وغادراها أيضاً من بابين منفصلين، وأنّ «مبعوث السلام الدولي» الإبراهيمي، وصف هذا اللقاء الفاشل بالمؤتمر السياسي وقال إنه «يعتمد على مؤتمر جنيف» في إشارة للإعلان الذي جرى التوصل إليه في يونيو (حزيران) 2012 ودعا لتشكيل هيئة حكم انتقالية.
وبالطبع فإنّ النظام السوري كرّر، وكالعادة، رفضه اقتراح تشكيل حكم انتقالي في أول محادثات مباشرة مع المعارضة، وإنّ وزير إعلام بشار الأسد الذي هو في ذلك الوقت المبكر عمران الزعبي، وصف شرط تنحّي الرئيس وتشكيل هيئة حكم انتقالية بأنه مجرد وهم، وهكذا فإنّ هذا النظام بقي يتلاعب في الوقت، وحيث إن هذا ما جرى في آخر لقاء بين الطرفين والذي تم في جنيف أيضاً في 22 أغسطس (آب) الفائت وبحضور المبعوث الأممي بيدرسن الذي قال: «لا تتوقعوا معجزة أو أي تحول من مفاوضات اللجنة الدستورية»، وحيث إنه وصف المعارضة السورية بأنها «منزوعة الدسم وأنها لم تصل لأي شيء».
وهذا يعني أنّ هذه المعارضة التي بلغت أعداد فصائلها وتنظيماتها ألف تنظيم معظمها على الورق فقط ولا عمل لها إلاّ التنافس والاقتتال على الغنائم والإتاوات. وحقيقة ورغم كل شيء فإنه كانت ولا تزال هناك تنظيمات معارضة فاعلة وإلّا لما كان هذا النظام البائس قد تخلّى عن بعض حارات «دمشق» ولكان بشار الأسد قد تصرف كما كان والده حافظ يتصرف والذي إذا أردنا قول الحقيقة إنه بقي خلال العقود الثلاثة من حكمه يمسك بسوريا من عنقها وإنه قد أخضع الشعب السوري لما لم يخضع له لا خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي ولا قبل ذلك وأيضاً ولا في عهد حسني الزعيم الذي كان أول رئيس فعلي والذي كان قد أطاحه انقلاب عسكري عام 1949 بعد حكم حديدي لم يستمر إلاّ لأربعة أشهر فقط، وحيث توالت الانقلابات العسكرية بعد ذلك وكان آخرها انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ بداية هذه المرحلة الطويلة، التي كانت قد شهدت تقلبات متلاحقة في سوريا منذ 1963 وحتى الآن، كانت قد بدأت بمجموعة من الضباط الذين شكّلوا لجنة سرية خلال وجودهم في القاهرة إبّان الوحدة المصرية السورية أي «الجمهورية العربية المتحدة» كانت قد شملت: محمد عمران (الذي تم اغتياله لاحقاً في طرابلس اللبنانية)، وصلاح جديد، وحافظ الأسد، وأحمد المير، وجميعهم من الطائفة العلوية، وعبد الكريم الجندي من الطائفة الإسماعيلية. وحقيقةً إنّ الأسد الذي كان أصغر هؤلاء الضباط سناً وأقلهم رتبة كان قد بدأ رحلته الطويلة من هذه اللجنة، وهكذا إلى أن أصبح وزيراً للدفاع وانقلب على رفاقه في 1970، وحيث كان قد سبقه انقلاب صلاح جديد على القيادة القومية لحزب البعث في 23 فبراير (شباط) 1966 والتي كانت تضم ميشيل عفلق ومنيف الرزاز وصلاح البيطار وأمين الحافظ وغيرهم.
وحقيقة أنّ الصراع على السلطة في سوريا كان قد بدأ مجدداً بعد الانقلاب الذي كان قام به اللواء صلاح جديد على ما كانت تسمى «القيادة القومية» عام 1966، وحيث إن الأمور قد انتهت بتفوق حافظ الأسد على كل «رفاقه» بعد سيطرته على القوات المسلحة وتخلصه من عبد الكريم الجندي الذي كان المسؤول عن المخابرات والاستخبارات العسكرية والهيئات الأمنية كلها، وهكذا فقد كانت اللحظة الحاسمة في 16 نوفمبر 1970 عندما قام، أي الأسد، الذي كان وزيراً للدفاع، بانقلاب عسكري سماه «الحركة التصحيحية» على رفاق الأمس ووضعهم كلهم بسجن «المزّة» المعروف ولسنوات طويلة، ومن بينهم بالإضافة إلى صلاح جديد، رئيس الدولة نور الدين الأتاسي ومحمد عيد مشاري ويوسف زعين وآخرين من قادة حزب البعث وقادة الدولة وكبار ضباط القوات المسلحة وأيضاً بعض القادة البعثيين من العرب من بينهم ضافي الجمعاني وحاكم الفايز من الأردن.
وهنا فإنّ ما فاجأ حافظ الأسد الذي كان المرض العضال قد توغل في جسمه بعيداً، هو أنّ نجله الأكبر باسل الذي كان قد هيّأه للحكم بعده قد تعرض لحادث سير مرعب وقاتل، لا تزال حتى الآن تثور حوله الشبهات، في الحادي والعشرين من يناير 1994، مما جعل الأمور بعد وفاة الأسد (الأب) عام 2000 تنتهي للرئيس الحالي بشار الأسد الذي من سوء حظه أنّ «الربيع العربي» الذي تفجر عام 2011 قد قلب أوضاع المنطقة العربية كلها رأساً على عقب، فحصل في سوريا كل هذا الذي حصل، وأصبحت «خريطتها» على نحو ما هي عليه الآن من تمزُّق يحتاج رقعه لسنوات طويلة وإلى نظام غير هذا النظام.
وعليه وفي النهاية، فإنّ دافع هذا «الاستعراض» كله هو أنّ «تعويم» بشار الأسد غير ممكن ما دامت سوريا في عهده غير الميمون قد تمزقت على هذا النحو المرعب وأنّ استعادة «القُطر العربي السوري»، حسب تسميات حزب البعث، إلى ما كان عليه يحتاج لنظام غير هذا النظام ويحتاج أيضاً إلى كفاح سنوات طويلة ما دام معظم مكونات العالم العربي قد أصبحت على ما هي عليه الآن، وأنّ سوريا الحبيبة فعلاً قد ابتُليت، بعد سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية بهذا النظام الاستبدادي الذي أسوأ ما فيه أنه اكتفى منها بالأموال التي اختلف عليها مع ابن خاله رامي مخلوف، وبقصره الذي يطل من نوافذه مع طلوع شمس كل يوم على عاصمة الأمويين الحزينة!