بقلم: صالح القلاب
حتى إذا كانت إيران «الخامنئية» تريد حرباً لتفْرَد جناحها على جزءٍ من الشرق الأوسط العربي، فإنّها وبالتأكيد ستتجنّب أن تكرّر حرب الأعوام الثمانية المباشرة التي بعد هزيمتها المُنكرة فيها باتت تتذرّع بأنها استُدرجت إليها استدراجاً، والتي بالنسبة لها كانت مكلفة جداً بشرياً ومالياً، ومما يدلُّ على هذا أنها ما أن علّق الأميركيون، بعد احتلال العراق بسنوات قليلة، صدام حسين في حبل المشنقة حتى اندفعوا من دون أي تعرضٍ أميركي للتغلغل في بلاد الرافدين عسكرياً واستخبارياً، وبالطبع وبمساندة «ميليشيات» التنظيمات المذهبية التي كانت تدرّبت في معسكرات الجيش الإيراني، والتي كانت ولا تزال تعتبر أنها إيرانية وتابعة للخميني وآيات الله أكثر كثيراً مما هي إيرانية.
وحسب البعض، فإنّ العراق، الذي كان صدام حسين على رأسه في ذلك الوقت، هو من استدرج إيران «الخمينيّة» لتلك الحرب المدمرة التي كانت تعتقد أنها ستكون حرباً خاطفة، وأنها ستكسبها في رمشة عين، كما يقال، وأنّ اعتمادها على «التركيبة الطائفية» في بلاد الرافدين «ستفكّك» الجيش العراقي وستُسقط صدام حسين ونظام حزب البعث في اللحظات الأولى، وأنها ستحقّق انتصاراً تاريخياً يعيد إليها «أمجاد فارس» التي باتت نائية وبعيدة والتي كان قد حاول استعادتها النظام الشاهنشاهي في عهد الوالد والابن، لكنه قد خاب ظنه ولم يستطع.
إنّ كبار آيات الله عندما كانوا يحلمون، قبل حرب الأعوام الثمانية، باستعادة ما يعتبرونه «أمجاد فارس» القديمة لم يأخذوا في اعتبارهم العامل القومي العربي، إنْ في العراق (العباسيّة)، وإنْ في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وإنّ حتى الذين كانوا يكرهون صدام حسين ونظامه ويكرهون حزب البعث أيضاً، سنّة وشيعة، كانوا يعتبرون أنّ هذه الحرب حربٌ قومية وأنها بين العرب كأمة وبين «الفرس» الذين بعد انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 باتوا يحلمون بذلك الماضي الذي بات بعيداً، والذي كان حتى آية الله الخميني ضدّه، وكانت ضدّه أيضاً كل «المجموعات» القومية التي تشكّل نحو نصف السكان في البلاد، أي الآذاريين والجيلان والأكراد والعرب والبلّوش والتركمان واللور والمازانداريين.
ثمَّ، وإنّ ما يجمع عليه كثيرون، هو أنّ كل هذا التغلغل الإيراني في العراق أولاً ثم في سوريا (القطر العربي السوري) ثم في لبنان على اعتبار أنّ «ضاحية بيروت الجنوبية» فوق سيطرتها على الجنوب اللبناني باتت تسيطر على بلاد الأرز كلها، إنْ لم تكن سيطرة عسكرية مباشرة فسيطرة أمنية وسياسية، وأيضاً على جزء من اليمن؛ إذّ إنّ «الحوثيين» هم «ميليشيات» إيرانية جرى تدريبها لدى «حزب الله» اللبناني، وإنّ الذين يسيطرون عليهم ويديرونهم هم ضباط إيرانيون تابعون لـ«حراس» الثورة الإيرانية.
وهكذا، ولأنّ إيران قد جرّبت حرب الثمانية أعوام التي كانت هزيمتها فيها «مُنكرة»، كما يقال، فإنها لم تعد تفكّر حتى مجرد تفكيرٍ في أي حربٍ عسكرية مباشرة ضدّ أي دولة عربية لا قريبة ولا بعيدة؛ ولهذا فإنه قد لجأت مبكراً إلى تشكيل هذه المجموعات المذهبية والطائفية التي باتت تشكل قوات إيرانية فاعلة في العراق وسوريا، وأيضاً في لبنان واليمن والتي أدت إلى حضور إيراني فاعل في سياسات هذه الدول التي غدت بالاسم عربية فقط، والتي أصبحت إيرانية والتي بات القرار فيها حتى بما في ذلك التي لا تزال ترفع شعار «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة» هو قرار وكيل «الولي الفقيه في طهران»، وهذه مسألة باتت معروفة وواضحة لشعوب هذه المنطقة وأيضاً للعرب كلهم وللجامعة العربية وللعالم بأسره.
لقد مرّ على هذا الاحتلال المقنّع، لا بل الواضح والمعلن والذي لا يخجل من أنْ يتغنّى به الذين يديرهم الإيرانيون علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، وهنا فإنه على من «يخالجه» أي شكٍ في هذه الحقائق أنْ يسأل حسن نصر الله صاحب ضاحية بيروت الجنوبية وصاحب الجنوب اللبناني وصاحب لبنان كله، كما يقول اللبنانيون كلهم بكلّ منابتهم وطوائفهم، وأيضاً كما يقول بعض العرب الذين لا يخجلون من الاعتراف بحقائق الأمور والذي تتحدث عنه بخجل وعلى استحياء العديد من الدول العربية وبعض دول العالم القريبة والبعيدة.
وهنا، فإنه على من يراوده أي شكٍ بهذا الأمر أن يختلي بأحد «الحوثيين» النافذين الذين لا يتردّدون في قول حقائق الأمور، ويسأله عمن يتولى إدارة الأمور في صنعاء، وأنْ يعرف من بعض الأصدقاء الذين يشعرون بتمزق أكبادهم مما هي عليه الأمور في العراق العظيم وفي بغداد الرشيد، أما بالنسبة لسوريا: (سوريا قلب العروبة النابض) فحدِّث ولا حرج فالرئيس بشار الأسد، شافاه الله وعافاه مما أصابه وأصاب زوجته... فهو كما يقول المقرّبون منه: «شاهد ما شافش حاجة»، والقرار في «الفيحاء» للإيرانيين والروس، وفي المناطق الشمالية للأتراك (الإردوغانيين)، وفي الشرق لـ«داعش» و«ماعش» وكل ما هبَّ ودب!
لقد مرّ على انتصار الثورة «الخامنئية» و«الخمينية»، وأيضاً ثورة مرتضى مطهرّي ومحمد حسين بهشتي وهاشمي رفسنجاني أكثر من 41 عاماً، وخلال هذه الفترة قد دخلت بالنسبة «للريال» الإيراني عملية حذف الأصفار، وكانت آخر عملية حذف أصفار من هذه العملة الإيرانية: «خمسة أصفار» ويقول المتفائلون، إن عملية الحذف هذه قد تصل في نهاية هذا العام، الذي مضى منه نحو ربعه حتى الآن، إلى خمسين صفراً من الأصفار الكبيرة وأكثر!
وأيضاً، فإنّ ما تجدر الإشارة إليه، وهذا لا يتردّد حتى أكثر المتحمسين لنظام الملالي في قوله، هو أن هذا النظام بات في الرمق الأخير، وأنّ إيران أصبحت دولة معزولة... إقليمياً ودولياً، وأنّ بعض سكانها الأساسيين باتوا يتسربون إلى بعض دول هذه المنطقة ومنها إلى بعض الدول الأوروبية وأيضاً إلى الولايات المتحدة، وأنّ هذا النظام قد خسر بالفعل تأييد شريحة كبيرة من الشعب الإيراني.
وحسب بعض الذين يعتبرون من كبار المسؤولين في نظام الملالي، فإنّ كثيرين من الإيرانيين المؤيدين لهذا النظام قد نزلوا من قطار الثورة الإيرانية بعد إخفاق ثورتهم وبعد تردّي، والبعض يقول، انهيار الوضع الاقتصادي الإيراني، وهذا رغم أنّ الإدارة الديمقراطية الأميركية قد بادرت إلى «شطب» العقوبات التي كان فرضها الرئيس الجمهوري دونالد ترمب على طهران.
إنّ هناك مثلاً عربياً متداولاً يقول «إن من يُكبِّر حجره لا يضرب»... وإنّ مشكلة إيران التي يتضوّر شعبها بغالبيته جوعاً أنها مُصرّة على التمسك ببرنامجها النووي الذي يصفونه بأنه قد قطع مسافة طويلة لإنتاج القنبلة النووية، وهذا يترافق مع التحرش ببعض الدول العربية، ويترافق أيضاً مع محاولات تصدير هذه «الثورة الإيرانية» البائسة، وهذا جعل إسرائيل تتعامل بكل جديّة مع هذا كله، وجعلها تستعد لاستخدام قنبلتها النووية التي من المؤكد أنها باتت جاهزة منذ فترة سابقة، يقول البعض، إنها في حقيقة الأمر بعيدة.
وأيضاً، وفي النهاية، فإنه على إيران ألا تظهر، وبعض الظنِّ إثم، أن استبدالها بالحرب المباشرة كحرب الثمانية أعوام حرب عصابات إرهابية من خلال هذه المجموعات الطائفية التي «شكّلتها» في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن (الحوثي) سوف يوفر لها السيطرة على هذه المنطقة، فهذه المجموعات ولدت معزولة في هذه الدول كلها ثم وإن «شيعة» هذه الدول العربية هم الأكثر تمسكاً بعروبتهم وأنهم مثل العرب كلهم يريدون علاقات أخوة وحسن جوارٍ مع إيران ولكنهم يرفضون الهيمنة الإيرانية وأي تدخلٍ في شؤونهم الداخلية.