بقلم - صالح القلاب
لأن أوضاع هذه المنطقة هي هذه الأوضاع، التي كنا قد ردّدناها مراراً وتكراراً، فإنّ ما يوجع قلوب الطيبين فعلاً وحقيقةً أنّ هناك اعتقاداً نأمل أنه غير صحيح وهو أنّ السوريين في لبنان باتوا يعيشون رعباً، خشية ترحيلهم. والغريب والمستغرَب أن هناك من تعاملوا مع اللاجئين السوريين على نحو «عنصري»، كأنهم هم واللبنانيون ليسوا أبناء وطن وأمة واحدة، وكأن سوريا «القطر العربي السوري»، لم يكن قد فتح أبوابه لأشقائه من الشعب اللبناني عندما مر بظروف صعبة وقاسية.
وحسب المعلومات، وهذا على ذمة وكالات الأنباء إنْ هي صدقت والمؤكد أنها قد كانت صادقة بالفعل، فإن الغريب والمستغرَب أنه قد كانت هناك نزعة عنصرية لدى البعض ضد السوريين في لبنان، ويا لعيب وعار هذا البعض، ومن المؤكد أنه لا يمثل غالبية اللبنانيين ممن كانت أبواب «القطر السوري» مفتوحة أمامهم على مصاريعها، سواء خلال الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة وقبلها وبعدها، وهذه حقائق كانت معروفة وثابتة، وكان اللبنانيون يعيشون في دمشق الشام كما كانوا يعيشون في بيروت... وأي مدينة أو قرية لبنانية.
من المؤكد اليوم أن لبنان الحبيب يعيش أصعب أيامه ومراحله، حيث الاقتصاد منهار والمعيشة باتت قاسية على أغلب الشعب اللبناني الذي لم يعد أبناؤه قادرين على تأمين قوت يومهم ولا حليب أطفالهم، ونظامهم المصرفي يمرُّ بأزمة لا يعلم إلّا الله كيف سيخرج منها... والجوع يتسع والبطالة وضيق الحال، وحيث باتت أموال المودعين اللبنانيين في البنوك محجوزة، لا يستطيعون التصرف بها في ظل غلاء معيشة فاحش وقاهر.
كل ذلك حقيقةً قد يفسر لبنانياً اتساع ظاهرة استهداف اللاجئين السوريين المساكين الذين تقطّعت بهم السبل هم الآخرون وكانوا مضطرّين لمغادرة بلادهم والهروب من الحرب والقمع وقساوة الأوضاع، فتوزّعوا في أربع رياح الأرض، وكان نصيب لبنان، الأقرب إلى سوريا، إضافةً إلى الأردن وتركيا، الأعداد الأكبر من اللاجئين السوريين، وقد عاش هذا الشعب الكريم والعزيز ذُلّ الحاجة والتشرد من بلده.
نعم... نقول قد يفسر ذلك اتساع ظاهرة استهداف اللاجئين السوريين في لبنان، لكن من الظلم التسليم بذلك، فليس ذنب السوريين تهجيرهم ودفعهم للجوء في أربع رياح الأرض وتحمل قساوة اللجوء والتغرب عن الوطن والبيت، كما أنه من الظلم تحميل السوريين في لبنان الشقيق والعزيز مسؤولية الأزمة الاقتصادية والمعيشية الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون اليوم، وربما ليس هنا مكان نقاش هذه الأسباب، وإن كان لجوء السوريين بأعداد كبيرة إلى لبنان من الأسباب فهو آخر الأسباب لهذه الأزمة.
وعلى الحكومة اللبنانية ألا تنساق وراء مثل هذه القرارات بترحيل لاجئين سوريين وتسليمهم لسلطات بلدهم بالضد من إرادتهم، فهذا أولاً مرفوض دولياً ومن المفوضية السامية للاجئين، ومرفوض أيضاً إنسانياً، فثمة قصص كثيرة عن معاقبة واعتقال سوريين عادوا إلى وطنهم أو تم ترحيلهم قسراً.
لا تزال الظروف في سوريا «القطر العربي السوري» صعبة وغير آمنة للكثيرين، فالحرب هناك لم تضع أوزارها بعد، والظروف الاقتصادية والمعيشية أيضاً قاسية وصعبة، ناهيك طبعاً بتعامل السلطات السورية بعقلية أمنية مع بعض من يعودون، لذلك فإن الكثيرين لا يزالون يُحجمون عن العودة خوفاً على حياتهم أو عائلاتهم، بل يضطر البعض إلى البحث عن خوض تجارب قوارب الموت في محاولة للهرب إلى أوروبا واللجوء إليها، ويدفع الكثيرون حياتهم في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر والأهوال.
على الإخوة اللبنانيين أن يتفهموا ويراعوا حالة الهلع والرعب التي يعيشها السوريون الآن في لبنان خشيةَ القبض عليهم من السلطات اللبنانية وترحيلهم قسراً إلى سوريا بحجة عدم قانونية وجودهم في لبنان، خصوصاً أن وكالات الأنباء ذاتها نقلت عن مسؤولين في منظمات دولية للاجئين أن بعض مَن رُحِّلوا مسجلون رسمياً كلاجئين لديها في لبنان، وأن بعضهم اعتُقلوا فور وصولهم إلى سوريا.
إنه حقاً لمن المحزن أن نقرأ في الأخبار أن بعض السوريين في لبنان لم يعودوا يغادرون المنزل خشية الاعتقال والترحيل القسري إلى سوريا، فهؤلاء أولاً سيبقون في حالة رعب وقلق شديد من القبض عليهم وأيضاً هم لن يكونوا قادرين على الخروج للعمل والبحث عن رزق يُطعمون به أطفالهم وعائلاتهم.
وكما قلنا، فإن الأخطر والأدهى أن يسود في لبنان أو غيره خطاب الكراهية والتحريض ضد اللاجئين السوريين، وقد رأينا مثل ذلك أيضاً في تركيا، فمثل هذه الخطابات والتحريضات قد تدفع بعض الرعاع والغوغاء إلى اللجوء إلى استخدام العنف والجرائم ضد اللاجئين السوريين المساكين.
نعلم صعوبة استيعاب بلد صغير كلبنان نحو مليون لاجئ سوري، حسب سجلات الأمم المتحدة فيما تقدّرهم السلطات اللبنانية بمليوني لاجئ، وكذلك هذا صعب أيضاً على الأردن الذي يستضيف هو الآخر نحو مليون لاجئ سوري، لكنّ ذلك لا يبرر أن نتحلل من إنسانيتنا وقوميتنا، وأن نمارس الضغوط على اللاجئين للعودة القسرية إلى بلدهم في ظل هذه الظروف غير المستقرة بعد، ولنصبر قليلاً، فالمؤشرات اليوم تشير إلى إمكانية الوصول إلى حلول حقيقية للأزمة السورية قريباً يتم فيها ضمان أمن وأوضاع من يريد العودة لبلده، وحينها فمن المؤكد أنّ أغلب من هاجروا ولجأوا إلى خارج سوريا خصوصاً إلى دول الجوار، لن يترددوا في العودة إلى بلدهم وبيوتهم وأراضيهم.