توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماركس أمضى حياته في محاربة الرأسمالية المتوحشة

  مصر اليوم -

ماركس أمضى حياته في محاربة الرأسمالية المتوحشة

بقلم -صالح القلاب

لوضع الأمور في أنصبتها الصحيحة، فإنه لا بدَّ من التأكيد على أنّ فردريك إنغلز قد قال لرفيقه كارل ماركس في كلمة الوداع، التي ألقاها لحظة دفنه في مقبرة «هاي جيت» في لندن عام 1883: «سيظل اسمك على مر الزمن... وكذلك أعمالك»، قالها قبل قرن ونصف من هذا التاريخ، وبعد فشل الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية كلها وبالطبع وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن عظيماً ولا هم يحزنون، وحيث ثبت أن ماركس هو المستفيد من ذلك الفشل الذريع للأحزاب الشيوعية نفسها التي كانت قد حكمت نصف القارة الأوروبية وثلث قارة آسيا لعقود كثيرة، وبالطبع بالطرق والوسائل القمعية التي يقال إن كارل ماركس قد أمضى جُلَّ حياته في محاربتها!
والغريب هو أن ماركس بعبقريته قد شرح وحلل أزمة النظام الرأسمالي المتداولة حينها، وقد استندت إلى فكره الأحزابُ الشيوعية لاحقاً ومارست النضال ضد أزمة ذلك النظام، لكنها في النهاية فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن حكمت أقطاراً واسعة وكثيرة لكنها لجأت في حكمها إلى الطرق والأساليب القمعية، بخلاف ما أرادها كارل ماركس الذي قاوم وحارب دائماً تلك القمعية والاستغلالية، بعد أن كانت حكراً على الآيديولوجيات الاستعمارية والعنصرية والثيوقراطية والرأسمالية والصناعية التي كانت قد حكمت العالم.
وها هو ماركس قد عاد ثانية بإحياء تاريخه وفكره ومن لندن ذاتها، لكن بحُلة جديدة وإنسانية محضة، وبالطبع مستقبلية، وكما لو أنه ليس فقط الرابح الأكبر من أزمة النظام الرأسمالي الراهنة المتداولة بعنفوان لم يتوقعه أحد في فترة قريبة، بل أيضاً الرابح من فشل الأحزاب الشيوعية التي ضلّت الطريق ولجأت إلى الأساليب والآليات التي انتقدتها وناضلت ضدها.
والغريب، لا بل المستغرب، أن كتب كارل ماركس كانت ظاهرة مثيرة جديدة، حيث إن هذه الكتب قد بيعت بآلاف من النسخ وفي طليعتها «البيان الشيوعي» الشهير الذي حمل نداءه الخالد: «يا عمال العالم اتحدوا»، وكتابه الشهير أيضاً «رأس المال»، وحقيقةً إن هذه الكتب قد تلقفتها أعين الأحزاب الشيوعية التي كانت، وإن بصورة مؤقتة، في طليعة القوى الفاعلة الحقيقية!
وحقيقةً إن كارل ماركس المفكر والإنسان وليس الآيديولوجي المزعوم هو الذي يعود اليوم... فماركس لم يكن آيديولوجياً إلّا عَرَضاً، ولم يكن طالب سلطة أبداً، وهذا كله يكشفه الكتاب الجديد المدهش: «كارل ماركس... قصة حياة».
وكارل ماركس كان قد درَس الحقوق والاقتصاد السياسي ثم التاريخ والفلسفة في جامعتَي «بون» و«برلين»، حيث حصل على شهادة دكتوراه في الفلسفة حول موضوع الفوارق الموجودة في فلسفة الطبيعة عند كلٍّ من ديموقريطس وأبيقور، وهو موضوع صعب مكَّن ماركس من الإلمام بمجمل فلسفة الإغريق وبخاصة الفلسفة المادية والمنهج الديالكتيكي وتطورهما.
ما كان يجب التغاضي عن هذه المسألة بمفاهيم اليوم، فالعالم قد تغيّر كثيراً. ونحن عندما نستعرض سيرة كارل ماركس الطويلة فإننا لو وضعناها في مقاسات هذه الأيام لما أخذت كل هذه الاعتبارات السابقة، فكارل ماركس على سبيل المثال لا شكَّ في أنه قد كان مبدعاً بالفعل، وكانت كتبه ظاهرة مثيرة بالفعل، حيث إن الإقبال الشديد على كتبه كان ظاهرة مثيرة جديدة، وإلا ما معنى أن تعود كتبه لتباع بآلاف لا تُحصى من النسخ، وفي طليعتها «البيان الشيوعي» الشهير؟ والمعروف أن هذا كله قد لفت أعين الصحافة الأوروبية والعالمية، حيث إن الكثيرين ظنوا أن تأثير هذا الفيلسوف الذي كان قد توفي في عام 1883 قد زال نهائياً من الوجود، وذلك بزوال الآيديولوجية الشمولية التي كانت قد تقمّصت اسمه.
كتاب كارل ماركس الجديد «قصة حياة» لمؤلفه الصحافي البريطاني فرنسيس واين المنشورة فصوله الأربعة: «التحفة المجهولة»، و«الحمل الطويل»، و«الولادة»، و«ما بعد الرحيل»... وبترجمة مميزة إلى العربية كان قد قام بها الكاتب العراقي الشهير سعدي عبد اللطيف، هذا الكتاب المهم يركز على ماركس المفكر والإنسان وليس الآيديولوجي المزعوم.
نشأ ماركس في فترة التنوير اقتصادياً وآيديولوجياً بعد تراجع المجتمع الإقطاعي الذي كان مستحكماً في أوروبا وبتحالف مع الكنيسة، ثم جاء انتصار الثورة الفرنسية التي نادت بالحرية والمساواة والإخاء، لكنَّ هذا النظام لم يصمد أمام تقدم الرأسمالية والاستعمار لبقية الشعوب؛ بل إبادة بعضها عن بكْرة أبيها والاتجار بالعبيد وانتشار البؤس والفقر بين أغلب الطبقات المسحوقة لصالح طبقات غنية متحكمة بوسائل الإنتاج والسلطة.
لم يكن ماركس طالباً للسلطة بل منظِّراً ومدافعاً عن حق الناس في العيش بكرامة وحرية وبعيداً عن الاستغلال والإفقار، وأيضاً تحرير الشعوب المضطهدة والمستعمَرة من مستغليها، ووقف الرأسمالية المتوحشة التي لا تراعي قيماً ولا مبادئ، لكن مَن حملت أفكار الرجل من أحزاب شيوعية حكمت نصف القارة الأوروبية وثلث قارة آسيا وغيرها لم تتمثّل روح المبادئ والقيم التي نادى بها ماركس وناضل من أجلها، وراحت تُعيد إنتاج وسائل وآليات القمع وكبت الحريات والاستغلال والقتال على السلطة، ففشلت فشلاً ذريعاً ومدوياً وحكم عليها التاريخ في النهاية بالخروج منه والانتهاء إلى غير رجعة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماركس أمضى حياته في محاربة الرأسمالية المتوحشة ماركس أمضى حياته في محاربة الرأسمالية المتوحشة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 16:54 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بنزيما يرشح كاسيميرو وعوار وفقير للانضمام لـ اتحاد جدة

GMT 23:51 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

شركة آسوس تطلق هاتفها الذكي Zenfone 6 الجديد

GMT 12:48 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

نقل سولاف فواخرجي للمستشفى بعد حادث أليم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon