بقلم: صالح القلاب
المفترض أنه لا خلاف على أنّ «عهدي» صدام حسين ومعمر القذافي من أسوأ العهود التي مرت بها هذه الأمة وبخاصة وعلى وجه التحديد بالنسبة إلى الشعب العراقي والشعب الليبي، فالأول لم يَسلم من بطشه وتصفياته ومذابحه الجماعية، حتى رفاقه في حزب البعث الذي أوصله في فترة كانت قد اهتزّت فيها المعادلات إلى حكم بلاد الرافدين (العراق) التي من المفترض أنه لا خلاف على أنها من أهم «الأقطار» العربية، وذلك في حين أن الثاني كان أطاح نظاماً جميلاً ووديعاً ومتسامحاً هو النظام السنوسي واستبدل به «جماهيرية» بائسة لا أحد يعرف أولها من آخرها وضع لها «العقيد» كتاباً «أخضر» كان رأي القائد الفلسطيني الكبير أحمد الشقيري، رحمه الله، فيه أنه لا يصلح حتى لطلاب المدارس الابتدائية!
كان حزب البعث قد قام بانقلابين عسكريين متلاحقين في العراق؛ الأول في عام 1963 والآخر في عام 1968 وكانت التصفيات الداخلية في هذا الحزب، الذي كان بعد انقلابه الأول بنحو شهر قد سيطر على الحكم في سوريا، قد بدأت قبل أن «يصيح الديك»، كما يقال، وأنها قد استمرت وتواصلت واتخذت طابع «الوجبات» والمذابح الجماعية وآخرها في عام 1979، وكل هذا إلى أن انتهت الأمور كلها إلى يد صدام حسين الذي كانت نهايته هو أيضاً تلك النهاية المعروفة بعد إسقاط الأميركيين لحكمه ونظامه في عام 2003.
والمعروف أن صدام حسين، بعد انتهاء حرب الأعوام الثمانية مع إيران، التي قال الخميني إنه تجرع وقف إطلاق النار فيها كتجرع السم الزعاف، قد ارتكب جريمة احتلال دولة الكويت التي من المفترض أنها شقيقة وأنها كانت على رأس الداعمين والمؤازرين له خلال الحرب العراقية – الإيرانية، ويقيناً إن تلك الخطوة كانت إحدى جرائم التاريخ وإنها بنتائجها الكارثية قد أدت إلى ما حلَّ لاحقاً بالعراق الذي وُصف دماره اللاحق بأنه سيكون دماراً للأمة العربية... وهذا هو ما حصل ولا يزال يحصل في العديد من الدول العربية.
ثم إن المعروف أيضاً أن «صاحب الجماهيرية العظمى واللجان في كل مكان... والكتاب الأخضر» قد بقي يتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول... العربية وغير العربية أيضاً، وأنه واصل إنفاق أموال الشعب الليبي على ألاعيبه الصبيانية وعلى مغامراته الفاشلة إلى أن انتهى تلك النهاية البائسة في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011.
ربما هناك من يرى أنّ صدام حسين ومعمر القذافي ورغم ما ارتكباه من جرائم دامية، إنْ بالنسبة إلى رفاقهما الأقربين وإنْ بالنسبة إلى شعبيهما: «الشعب العراقي والشعب الليبي»، إلاّ أنهما قد حققا إنجازات لا يمكن إنكارها في هذين البلدين الشقيقين، «الجماهيرية الليبيبة» و«القُطر» العراقي، والمؤكد أن هذه حقائق لا يمكن إنكارها. ثم إن ما لا يمكن إنكاره أيضاً هو أن هذين العهدين كانا عهدي دمار وخراب وعهدي مذابح جماعية وتآمر ومؤامرات، وأنه في النهاية لم يبقَ من حزب البعث في العراق إلا الأقارب و«المحاسيب» والمرتزقة، ولم يبقَ في «الجماهيرية العظمى» إلاّ مطأطئي الرؤوس الذين باتوا يحفظون «الكتاب الأخضر» «عن ظهر قلب»، كما يقال، وحيث إن حتى عبد السلام جلود الذي كان شريكاً رئيسياً وأساسياً في إسقاط الملكية – السنوسية قد كانت نهايته تلك النهاية البائسة المعروفة.
وهكذا فإنه كان لا بد من هذه المقدمة المطولة للوصول إلى أن ما أصبح عليه وضع العراق العظيم بعد الاحتلال الأميركي وبعد إسقاط صدام حسين ونظامه وإعدامه شنقاً هو أنه كانت هناك المؤامرة الكبرى بالاجتياح الإيراني الاحتلالي لبلاد الرافدين، وكانت هناك صيغة الحكم الطائفية التي لا تزال مستمرة، وحيث إنه بات لا قرار في «القطر العربي العراقي» إلا قرار «الحشد الشعبي» الإيراني وباقي التشكيلات المذهبية، وأيضاً وبالأساس قرار جنرال «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني الذي بقي مرافقاً للتمدد الإيراني في هذه المنطقة العربية كلها من عراق الرشيد إلى سوريا الأموية إلى بلاد الأرز لبنان... وأيضاً إلى اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم بعيد والذي بات «الحوثيون» يحكمون جزءاً أساسياً ورئيسياً منه بإشراف وتوجيهات حسن نصر الله صاحب «إمبراطورية» ضاحية بيروت الجنوبية.
لقد غادر صدام حسين الكويت مهزوماً هزيمة منكرة وكانت الولايات المتحدة قد دخلت العراق بجيوشها «الغازية» من الجنوب ووصلت إلى مطار بغداد من دون أي مقاومة فعلية وكان الجيش العراقي، الذي كانت تقديرات ذلك الحين تشير إلى أن أعداده مع «الجيش الشعبي» قد تجاوزت المليون بكثير، قد اختفى نهائياً مع وصول طلائع الجيش الأميركي إلى العاصمة العراقية، ولعل ما لا يزال يذكره البعض هو أن الرئيس العراقي الأسبق كان قد ظهر في تلك الفترة الحزينة في «شوارع عاصمته» بلباسه العسكري وحيداً، وأنه قد اختفى نهائياً بعد إسقاط أحد «تماثيله» المتعددة، والمعروف أن القوات الأميركية قد دخلت عاصمة العراق من دون أي مقاومة وأن بلاد الرافدين قد احتلها «الغزاة» من دون أن تطلق على جيوشهم ودباباتهم حتى ولو طلقة واحدة.
والغريب حتى أن رفاق «البعث»، الذين من المعروف أنهم كلهم قد مروا بدورات تدريب على الأسلحة الثقيلة والخفيفة قد اختفوا هم أيضاً مع وصول القوات الأميركية إلى مطار بغداد والعاصمة العراقية، وهذا يعني أنهم كانوا ما زالوا تحت تأثير الإعدامات الجماعية التي كان قد نفّذها «قائدهم الملهم» في خيرة رفاقهم ومن بينهم بعض كبار القياديين مثل عبد الخالق السامرائي، وفي النهاية فإن ما هو مؤكد ومتفق عليه هو أنّ عراق بلاد النهرين وبلد الرشيد ذات التاريخ العظيم قد احتلها «الغزاة» بلا مقاومة وأن هؤلاء قد فتحوا حدودها الشرقية – الجنوبية للإيرانيين الذين ما لبثوا أن سيطروا عليها كما هو واقع الحال الآن، وحيث أصبح القرار في بغداد العربية العظيمة بيد جنرال «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وبأيدي «العملاء» المذهبيين والطائفيين الذين بادروا إلى خلع العباءة العربية وارتدوا العمامة الإيرانية.
والسؤال هنا هو: لماذا إذاً يا ترى «يترحم» الكثير من العراقيين «السُّنة» و«الشيعة» على صدام حسين ويتمنون عودته وهم يعرفون أنه لن يعود أبداً، إذ إن «ما فات مات وما هو آت آت» والمقصود هنا هو أن العراق يجب أن يعود عربياً، وكما كان في ذلك العهد الذي أصبح في ذمة التاريخ، وهنا فإن المؤكد، ويقيناً، أنه لن يصح إلا الصحيح وأن الإيرانيين سيُطردون حتماً من بلد الرشيد كما طُرد «الصفويون» منه من قبل وأن هذا البلد العظيم لن يكون إلاّ عربياً وأنه لن يبقى فيه إلا أهله العرب وأبناء «الأقليات» الذين لا وطن لهم إلا ّهذا الوطن الذي هو وطن آبائهم وأجدادهم.
إنّ هذا بالنسبة إلى العراق وأما بالنسبة إلى «الجماهيرية العظمى»، فإن ما حلَّ بها من احتلالات من بينها الاحتلال الإردوغاني – التركي قد جعل الليبيين «يترحمون» هم بدورهم على معمر القذافي الذي رغم مساوئه، التي لا حصر لها، فإن ما يجب أن يسجَّل له هو أنه قد أغلق أبواب هذا البلد العظيم أمام الدخلاء والطامعين الذين بعدما انتهى هو تلك النهاية المأساوية التي يقول البعض إنه يستحقها، باتوا يحتلون حتى العاصمة طرابلس التي ألحقها رجب طيب إردوغان بـ«أملاك» دولته العثمانية والتي هي بالتأكيد سيتم تحريرها قربياً، وربما قبل نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط» التي هي الصحيفة الطليعية بين كل الصحف والمطبوعات العربية.