توقيت القاهرة المحلي 08:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما تتجاوز الصين ماو تسي تونغ!

  مصر اليوم -

عندما تتجاوز الصين ماو تسي تونغ

بقلم - صالح القلاب

ما كان متوقعاً أن «يخبِطَ الجنون» عالم هذا اليوم، الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، إذ أصبح هناك من يتوقع حدوث ما ليس كالحرب العالمية الأولى، ولا كالحرب العالمية الثانية، بل أكثر دماراً وخراباً وأكثر قتلاً وتشريداً، وحقيقة أنّ هذا الذي يحصل في «أربع رياح الكرة الأرضية» هو اشتباكٌ عالمي وكوني، اختلط فيه الحابل بالنابل، حيث إن دولاً كانت تعتبر رئيسية في المجموعة العالمية، وبالطبع من بينها دول عربية، كانت أساسية، لم يعد لها وجود فعلي إلّا على هوامش الدول المتناحرة، ومجرد أرقام صراعٍ، مرة تحسب على هذا الاتجاه، ومرة على الاتجاه الآخر!!
ويقيناً أنه لم يكن متوقعاً أنّ بعض دول هذه المنطقة التي كانت تحسب أرقاماً رئيسية فاعلة وأساسية في المعادلات الكونية، وليس في المجالات الإقليمية فقط، قد أخذها داء الانكماش والتقزُّم، وذلك إلى حدِّ أنها قد أصبحت أرقاماً ثانوية وتابعاً ذليلاً إلى هذه الكتلة أو تلك من الكتل الكونية والعالمية المتصارعة، إذ إنْ الصراع على النفوذ في عالم اليوم الذي لم يعد عنوانه الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفياتي، حيث إنّ المعروف أنه كانت هناك حسابات أخرى غير هذه الحسابات.
وبالطبع، فإنّ نجم الصين لم يكن قد بزغ على هذا النحو، ويصبح مجرد إشارة منها تهز المعادلة الكونية كلها، وإن روسيا الحالية قد تجاوزت ما كان يسمّى الاتحاد السوفياتي، وها هي اليوم قد باتت الولايات المتحدة تطأطئ رأسها أمامها، وإنّ بكين لم تعد تتلطّى في المعادلات، وها هي اليوم إنْ هي رفعت إصبعها فإنّ العالم كله بات ينتظر إشارة منها، وإنّ بريطانيا العظمى التي كانت تحكم «أربع رياح الكرة الأرضية» باتت ترفع إصبعها استئذاناً، أمام دولة لم تكن رقماً محسوباً على أي معادلة كونية أساسية ورئيسية!!
والمؤكد أنّ هذه الحقيقة قد باتت واضحة ومعروفة، وأنّ صين ماو تسي تونغ قد تجاوزت واقعاً سابقاً، وأنّ أي قرارات في عالم اليوم لم تعد تُتخذ من دونها، ولهذا فإنّ عالم اليوم لم يعد نسخة كربونية من عالم الأمس، وأنّ بكين لم يعد عنوانها صورة الزعيم «المُبجّل» ماو تسي تونغ، وإنما القوة العسكرية والاقتصادية، حيث إنّ معادلات اليوم لا بد من أنْ تأخذ في عين الاعتبار معادلتها، وإنّ الولايات المتحدة بـ«عظمتها» لا يمكن إلّا أنْ تأخذ هذا بعين الاعتبار، حيث إنّ هناك قراراً هو قرار الصين، الذي لا بدَّ من انتظاره وأخذه بعين الاعتبار.
والمعروف أنه ما دام أنّ هذا الاستعراض هو في هذا المجال، فإن شمس الاتحاد السوفياتي كانت قد غربت مبكراً، وإنّ الصين التي كانت تعتبر تابعاً لروسيا (سوفياتياً) قد أصبح لها الآن كل هذه المكانة الدولية والكونية، وأصبح هناك رئيسٌ صيني، إن هو رفع رأسه قليلاً صار هناك في العالم من يصمت ليسمع ما يتحدث به ويقوله... وهذا هو الواقع الآن، إذ إنّ ما كانت تسمى الصين الوطنية قد أنهت استعدادها للالتحاق بالصين الشعبية، وإنّ الصين هذه التي كانت تنتظر قرار روسيا والاتحاد السوفياتي قد بات العالم كله ينتظر قرارها... وإذ إنّ هذه الصين الوطنية التي كان قد زرعها الغرب في حلق ماو تسي تونغ لم تعد إلّا مجرد «مستودعٍ» لذكريات، قد تجاوزتها حركة التاريخ، وإنّ من يسعون إلى «نبشها» يريدون إثبات أنّ أجدادهم وآباءهم قد كانوا أرقاماً في حركة تاريخية كانت فاعلة ورئيسية.
وهكذا، فإنّ الصين هذه التي عبرت حدوداً استعمارية وسياسية وإبداعية عالمية كثيرة، بكل تفوقٍ ونجاحٍ، من حقّها أن ترفع يدها الآن عالياً وتطالب بمكانتها الدولية والكونية وكل شيء، بل أن تفرض هذه المكانة على العالم كله، فالدول الفاعلة من المعروف أنها تحتلُّ مكانتها العالمية وتأخذ حقوقها بالقوة، ولذلك فإن بكين لا تطالب، بل إنها باتت تأخذ حقوقها من خلال القوة التي غدت تتمتع بها، ولذلك فإنها عندما قالت إنه لا يوجد في هذا الكون إلّا «صين» واحدة، وإنه لا صين إلّا هذه الصين، فإن العالم كله قد استمع بآذان صاغية.
وهنا، وبالعودة إلى ما مرّ ذكره، فإنه بإمكاننا أن نواصل ذلك الغناء القديم للوحدة وللأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة. هذا الكلام الشعري الجميل لم تعد له أي أهمية، وعالم اليوم هو عالم الأفعال، وليس الأقوال، والمؤكد أنه إذا بقينا العرب ندور حول أنفسنا، ونتغنّى بماضينا وبأشعاره التي باتت بعيدة جداً، والتي في كل الأحوال علينا أن نوصلها لأبنائنا وأجيالنا القادمة، فإن حركة التاريخ ستتجاوزنا بالتأكيد، وعلينا أن نعتزَّ بقيس بن الملوح وأشعاره... لكن علينا، وهذا هو الأهم، أن نواكب مسيرة هذا التاريخ، التي لا يمكن أن تنتظر أي متخلفٍ عنها.
إنّ هذا يجب أن يقال ويعلن، ومواصلة التأكيد عليه، وهذا هو ما جعل أنه لا بد من الاستجابة الفعلية إلى هذه الاندفاعة الصينية، فالصين قد أصبحت مثابة عالمية. ومع التقدير والاحترام لروسيا والاتحاد السوفياتي ولـ«الرفيق» ماو تسي تونغ تلميذ الرفيق لينين، فالتحف والآثار الجميلة لا بد من الاحتفاظ بها وإيصالها إلى أجيالنا الصاعدة ليتّكئوا عليها، لكن الحاضر هو الأهم وهو الطريق إلى المستقبل... لأن المستقبل هو أجيالنا الصاعدة التي يجب إخراجها من كهف «الغول والعنقاء والخلِّ الوفي»!!
والمؤكد أنه ما دام أننا في النهاية، وحقيقة أنه لا نهاية في هذا المجال، لا بدّ من أن تُدفع أجيالنا الصاعدة إلى هذا المستقبل دفعاً، وعلينا أن نواصل التقدم ونجعل القديم جداراً واستناداً للجديد، والجديد هو هذه الأجيال التي يجب عدم تركها للقديم وللغول والعنقاء... «والخلِّ غير الوفي».
علينا أن ندرك أنه من لا قديم له لا جديد له، لكنه لا بد من أن يكون قديمنا الذي نعتزُّ به دافعاً لجديدنا، وجديدنا هو هذه الأجيال الصاعدة التي يجب الكفاح الجاد لوضعها على الطريق الصحيح... والطريق الصحيح هو أن تستند أجيالنا إلى هذا القديم الذي فُقد، لكن علينا أن نكافح من أجل وضعه على الطريق الصحيح... مع عدم نسيان مقولة «الغول والعنقاء... والخل الوفي»!!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تتجاوز الصين ماو تسي تونغ عندما تتجاوز الصين ماو تسي تونغ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon