توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البقاء في الزمن القديم!

  مصر اليوم -

البقاء في الزمن القديم

بقلم - محمد الرميحي

نادراً ما تخصص مجلة معترف لها بالموضوعية والمهنية العالية على نطاق واسع مثل مجلة «الإيكونوميست» الأسبوعية مكاناً لمناقشة عمل درامي عربي. في عدد الأسبوع الثاني من هذا الشهر من المجلة المذكورة، خصص حوالي نصف صفحة لمناقشة مسلسل «الاختيار 3»، الذي كتب عنه في الصحافة العربية الكثير، كما هو متوقع، فإن المجلة بدأت مناقشتها بالقول «إن المسلسل سرد نهاية أول ديمقراطية في مصر»، وتلك وجهة نظر منتشرة في الصحافة الغربية، ولكن ليست بالضرورة رأياً قطعياً في الموضوع، إن عرفت التفاصيل، حيث تجاهل الكاتب المظاهرات العارمة للشعب المصري في 30 يونيو (حزيران) 2013.
في الأسبوع نفسه الذي كرم فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، أبطال العمل أمام جمهور كبير، وتحدث عن أهمية الأعمال الدرامية والفنية في توعية المجتمع، الحقيقة التي يعرفها بعضنا أن الأعمال الفنية الجادة هي جزء من القوة الناعمة التي تمتلكها الدولة، في الأسبوع نفسه يقتل «الجهاديون»، كما يسمون أنفسهم، أكثر من عشرة جنود مصريين يحرسون موقعاً مدنياً! وهو أسبوع العيد!
لذلك فإن الصورة التي أمامنا صورة أهم وأوسع من حدث في عمل درامي، القضية أن هناك ثقافة عامة لمليارات البشر اسمها الإسلام أصبحت مختطفة على نطاق واسع، وهذا الاختطاف جعل من البعض يكيل اللوم القاسي إلى تعاليم الإسلام! وليس إلى فئة صغيرة ممن يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون (جهاديون)! ويرتكبون أبشع الجرائم، وعملهم أقرب إلى الإجرام من أي شيء آخر.
هذا الملف بالذات قليل الاقتراب منه، وقد جعل من البعض، حتى في النسيج الاجتماعي المسلم، يُسلم بأن المشكلة التي تواجهنا هي في النصوص!
عملية القتل الإجرامي للجنود المصريين، وهي ليست الوحيدة، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة في مصر أو في أماكن أخرى، هي ديدن هذه الجماعات، ومن دون حملة ثقافية موسعة ودؤوبة - لمحاولة فك الاشتباك بين التفسير العقلي للإسلام وبين التفسير «المسيس»، كما تفعل جماعات وأفراد متدرجي الألوان بين التشدد الكامل والتشدد الأقل، وهي مجموعة من المدارس انتشرت في ثقافتنا الإسلامية منذ قرن على الأقل، ما زالت باقية إلى يومنا هذا ومظهرها من جانب توظيف سياسي - ثقافي، ومن جانب آخر مسايرة قد تكون غير واعية من بعض السلطات - أقول من دون حملة ثقافية دؤوبة لا يمكن استئصالها بسهولة.
لقد أحدثت تلك المدارس الكثير من المآسي، حتى أصبحت مفاهيم «التطرف والإرهاب» ملاصقة للإنسان المسلم أينما حل! دون فك الاشتباك سوف تبقى المجتمعات مرتهنة للزمن القديم!
لعل النقاش في هذا الموضوع يحتاج إلى جهود متعددة ومتسقة على قاعدة الفهم الحديث للنصوص، لقد جعلت وسائل الإعلام الحديثة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، بث تلك الأفكار (غير العقلانية) بتحميل النص أكثر مما يحتمل، أو التفسير «شبه الخرافي» للنصوص، جعلت منها عملية «اقتصادية» للبعض، أو لمن يريد أن يروج لنفسه في فضاء مُغيب، وتكاثرت تلك الأفعال حتى أصبحت شبه سائدة، طبعاً وسائل التواصل الاجتماعية وفرت منصات لكشف الزيف للكثير من هؤلاء بعرض ما كان يقول في السابق (في موضوع ما) وما يقوله اليوم في الموضوع نفسه، إلا أن تلك الجهود في الغالب فردية ولا تصل إلى المجموع الغافل أو المقتنع بما يقال له من أساطير.
مسلسل واحد أو كتاب أو برنامج تلفزيوني لا يستطيع أن يواجه ذلك السيل العارم من التجهيل والتغييب باسم الدين، والغائب عن فهم واقعي للنصوص، أساسه خلط جاهل بين النصوص العامة والمتعدية للزمن، مثل العدالة والرحمة وكرامة الإنسان، وما يشببها من نصوص تكون عادة عابرة للزمن، وبين نصوص أخرى لها علاقة بأحداث زمنية انتهى مفعولها، كانت تقدم حلولاً لمشكلات واجهت ذلك المجتمع القديم.
على سبيل المثال لا الحصر، لقد وقفت المطبعة الحديثة على أبواب ديار الإسلام ثلاثمائة عام بسبب فتوى متشددة من «عالم خارج عصره»! ففقد العالم الإسلامي رافعة للعلم الحديث لقرون! وتدخل البعض حتى في شكل الملابس وطريقة التداوي التي فسرت تفسيراً قادماً من ذلك الزمن، وبقيت كثير منها حتى اليوم عالة على الدين، ولكن الأكثر ألماً على العاقل أن يرى التفسير السياسي المنحرف ودراسة الماضي تعطينا أمثلة لنوع ذاك التوظيف السلبي!
كأمثلة لمدعين في الماضي لتفسير ذلك التوظيف الاستنسابي، فقد قام كل من نابليون، وموسوليني بعده بسنوات، بإعلان اعتناق الإسلام عندما تقربوا إلى المجتمعات الإسلامية، وقتها احتفل بذلك الخبر البعض فرحاً، كما يحتفل البعض اليوم «بدخول شخص ما» إلى الإسلام! أو الاحتفال أن الزعيم الفلاني للبلاد الكبيرة يضع نسخة من القرآن الكريم على مكتبه! ويفوت على كثيرين فهم التكسب السياسي من تلك الأعمال إن كانت صحيحة! أما تجربة «الإسلام والفوهرر» فقد وثقت في عدد من الدراسات العودة إليها تؤكد أن البعض وقتها بجهل أو تكسب سياسي، ربط الإسلام العظيم بشيء عابر هو النازية الألمانية المتوحشة، في الوقت نفسه الذي يتجاهل أو يُضيع أو لا يكون على قمة الأجندة ملفات التقدم العلمي والتقني الذي هو صرعة العصر وسر قوة الشعوب.
هناك الكثير من المبادئ الإسلامية الإنسانية العظيمة، منها الرأي القاطع أن «لا رهبانية في الإسلام»، فليس هناك وسيط بين الرب وعبده، ومن يدعى الوساطة فهو محتال ومتكسب، وليس لأحد مهما كان أن يدعي العصمة، كما أن أهمية العمل وبذل الجهد في إعمار الدنيا واحترام آدمية الإنسان لها قيمة متقدمة في الإسلام، فكل قول يمكن أن يؤخذ منه ويرد عليه! وأن قتل إنسان واحد دون حق كمثل قتل الناس جميعاً، وذلك غيض من فيض في تلك المبادئ الكبرى التي جعلت من مليارات البشر يعتنقون هذه الديانة، أما قتل الناس وتفجير المؤسسات وتجهيل البشر فهي أمور معادية للإسلام ومضرة بالمسلمين، من هنا علينا أن نشير إلى تلك الجماعات ليس بالضالة فقط، ولكن كونها عصابات إجرامية تنفي عدالة وإنسانية الدعوة الإسلامية.
آخر الكلام:
الحاجة إلى مشروع تنوير يبدأ بالمدارس والأسر ودور العبادة وانتهاء بسياسات واعية من الدول التي يهمها المساهمة في العصر الحديث. في الوقت نفسه تعرية المدعين الذين يبيعون الأوهام إلى العامة على أنها من صلب دينهم!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البقاء في الزمن القديم البقاء في الزمن القديم



اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon