توقيت القاهرة المحلي 11:08:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة بين التنوير والتدمير

  مصر اليوم -

الثقافة بين التنوير والتدمير

بقلم: طارق عباس

على مدى السبعين سنة المنصرمة ونحن نسمع ونقرأ عن إصلاح مئات آلاف الأفدنة، وتطوير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى وأساليب الرى، وكذلك عمل كبارى ورصف طرق وخطوط مواصلات ومصانع ومتاجر وشركات وتخطيط وبناء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة.. على مدى سبعين سنة، تأتى وتذهب وزارات وتصدر قرارات، وتُقام مؤسسات، وتنتعش وتخفت أصوات وشخصيات.لكن وبالرغم من كل التقلبات والتغيرات والمحاولات المستميتة لتحريك المياه الراكدة لا يتغير شىء فى الواقع المصرى، وتتعاظم المشكلات والتحديات والأزمات، ويتسلط الجهل والفقر والمرض على عموم الناس.

والسبب بمنتهى الصراحة هو أن محاولات الإصلاح المشار إليها غير مبنية على أسس وقواعد ثابتة، ومتعلقة دومًا بما يحيط بالإنسان لا بالإنسان نفسه، متعلقة بما يُمنح إياه أو يُقَدم له، لا بما يجب أن يعطيه ويقدمه هو، متعلقة بالإطار الخارجى للصورة لا بأصلها وجوهرها، والأهم من ذلك كله أنها متعلقة ومرتبطة بالسلطة الموجودة.. وعندما تكون الإنجازات محمية بالسلطة، فسوف تزول حتما بمجرد زوالها، وستصبح خططها ومخططاتها فى خبر كان.

أما إذا أردنا نفع الناس بالإنجازات والمشروعات العظيمة، فيجب أن يكونوا هم حماتها والمدافعين عنها، وذلك من خلال إنعاش وتنمية ورعاية الثقافة.. ثم الثقافة.. ثم الثقافة، باعتبارها همزة الوصل مع التراث، وصمام أمن الواقع، ومفتاح بوابة المستقبل، باعتبارها المصباح الذى يضىء الطريق أمام كل
من يكرهون الظلام.

فالثقافة ضرورة وليست ترفًا، هى دين ووجدان ولسان الشعوب، هى التجسيد الحى لإبداع الذات وتفجير الطاقات، هى الوسيلة المُثلى لتجاوز الصعوبات وتحقيق الأحلام والطموحات، هى كل ما يبقى للإنسان إذا تاه عن نفسه أو نسى ما تعلمه.

من المستحيل أن ينجح الأفراد أو تنجح المجتمعات ما لم تتزود بسلاح الثقافة، فغيابها تغييبٌ للوعى وتدميرُ كافة محاولات التنمية، إذ كيف يمكن الحفاظ على نظافة الشارع دون تنظيف العقل وتطهير الوجدان والارتقاء بالسلوك؟ كيف يمكن حماية حرية الرأى والتعبير فى مجتمعات لا تتلقى تعليما صحيحا ولا تقرأ ولا تحاور ولا تناقش ولا تستثمر الوقت فيما ينفع؟ كيف يُبنى السلام فى المجتمع الذى يعيش مثقفوه فى جزر منعزلة دون جبهة حراك تجمعهم ولا جبهة أفكار ورؤى تحمى وجهات نظرهم عند الضرورة؟.

فى أوائل القرن العشرين، ظهرت بوادر التنوير بكل ما تحمله من آثار إيجابية لإعادة رسم وجه مصر، بعد أن ضخ المثقفون فى شرايين هذا البلد إشراقًا، أى إشراق، واختلافًا، ما كان ليفسد للود قضية.

وإذا بأستاذ الجيل «أحمد لطفى السيد» يدافع عن القومية المصرية فى مواجهة الجامعة الإسلامية، مؤكدا أن مصر للمصريين. وكان أحمد لطفى السيد أول من رفع شعار الديمقراطية فى العالم العربى، ووعّى الناس بضرورتها وأهميتها فى حياتهم، كما كان من أوائل من دعا لإنشاء الجامعة المصرية وأسس حزب الأمة - المنافس الأول للحزب الوطنى - سنة «1907»، بينما راح الزعيم مصطفى كامل يلهب مشاعر المصريين بخطبه الحماسية الرنانة المحرضة على مقاومة الاحتلال البريطانى.

هنا، وانطلاقًا من ثراء الأفكار وتنوعها تُبنى صلابة المواقف وتميز وجدة الأفكار، وتشتعل ثورة «1919» بقيادة سعد زغلول بتأييد ودعم وحب الشعب، وينطلق المصريون المردة من النجوع والقرى والمدن والمحافظات فى يوم «8 مارس 1919» ليهتفوا: «الاستقلال التام أو الموت الزؤام، سعد سعد يحيا سعد، تحيا مصر حرة مستقلة، عاش الهلال مع الصليب» ويغنون: «بلادى بلادى.. لكِ حبى وفؤادى».

وللحديث بقية فى الأسبوع القادم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة بين التنوير والتدمير الثقافة بين التنوير والتدمير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon