توقيت القاهرة المحلي 08:55:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة بين التنوير والتدمير

  مصر اليوم -

الثقافة بين التنوير والتدمير

بقلم: طارق عباس

على مدى السبعين سنة المنصرمة ونحن نسمع ونقرأ عن إصلاح مئات آلاف الأفدنة، وتطوير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى وأساليب الرى، وكذلك عمل كبارى ورصف طرق وخطوط مواصلات ومصانع ومتاجر وشركات وتخطيط وبناء مدن ومجتمعات عمرانية جديدة.. على مدى سبعين سنة، تأتى وتذهب وزارات وتصدر قرارات، وتُقام مؤسسات، وتنتعش وتخفت أصوات وشخصيات.لكن وبالرغم من كل التقلبات والتغيرات والمحاولات المستميتة لتحريك المياه الراكدة لا يتغير شىء فى الواقع المصرى، وتتعاظم المشكلات والتحديات والأزمات، ويتسلط الجهل والفقر والمرض على عموم الناس.

والسبب بمنتهى الصراحة هو أن محاولات الإصلاح المشار إليها غير مبنية على أسس وقواعد ثابتة، ومتعلقة دومًا بما يحيط بالإنسان لا بالإنسان نفسه، متعلقة بما يُمنح إياه أو يُقَدم له، لا بما يجب أن يعطيه ويقدمه هو، متعلقة بالإطار الخارجى للصورة لا بأصلها وجوهرها، والأهم من ذلك كله أنها متعلقة ومرتبطة بالسلطة الموجودة.. وعندما تكون الإنجازات محمية بالسلطة، فسوف تزول حتما بمجرد زوالها، وستصبح خططها ومخططاتها فى خبر كان.

أما إذا أردنا نفع الناس بالإنجازات والمشروعات العظيمة، فيجب أن يكونوا هم حماتها والمدافعين عنها، وذلك من خلال إنعاش وتنمية ورعاية الثقافة.. ثم الثقافة.. ثم الثقافة، باعتبارها همزة الوصل مع التراث، وصمام أمن الواقع، ومفتاح بوابة المستقبل، باعتبارها المصباح الذى يضىء الطريق أمام كل
من يكرهون الظلام.

فالثقافة ضرورة وليست ترفًا، هى دين ووجدان ولسان الشعوب، هى التجسيد الحى لإبداع الذات وتفجير الطاقات، هى الوسيلة المُثلى لتجاوز الصعوبات وتحقيق الأحلام والطموحات، هى كل ما يبقى للإنسان إذا تاه عن نفسه أو نسى ما تعلمه.

من المستحيل أن ينجح الأفراد أو تنجح المجتمعات ما لم تتزود بسلاح الثقافة، فغيابها تغييبٌ للوعى وتدميرُ كافة محاولات التنمية، إذ كيف يمكن الحفاظ على نظافة الشارع دون تنظيف العقل وتطهير الوجدان والارتقاء بالسلوك؟ كيف يمكن حماية حرية الرأى والتعبير فى مجتمعات لا تتلقى تعليما صحيحا ولا تقرأ ولا تحاور ولا تناقش ولا تستثمر الوقت فيما ينفع؟ كيف يُبنى السلام فى المجتمع الذى يعيش مثقفوه فى جزر منعزلة دون جبهة حراك تجمعهم ولا جبهة أفكار ورؤى تحمى وجهات نظرهم عند الضرورة؟.

فى أوائل القرن العشرين، ظهرت بوادر التنوير بكل ما تحمله من آثار إيجابية لإعادة رسم وجه مصر، بعد أن ضخ المثقفون فى شرايين هذا البلد إشراقًا، أى إشراق، واختلافًا، ما كان ليفسد للود قضية.

وإذا بأستاذ الجيل «أحمد لطفى السيد» يدافع عن القومية المصرية فى مواجهة الجامعة الإسلامية، مؤكدا أن مصر للمصريين. وكان أحمد لطفى السيد أول من رفع شعار الديمقراطية فى العالم العربى، ووعّى الناس بضرورتها وأهميتها فى حياتهم، كما كان من أوائل من دعا لإنشاء الجامعة المصرية وأسس حزب الأمة - المنافس الأول للحزب الوطنى - سنة «1907»، بينما راح الزعيم مصطفى كامل يلهب مشاعر المصريين بخطبه الحماسية الرنانة المحرضة على مقاومة الاحتلال البريطانى.

هنا، وانطلاقًا من ثراء الأفكار وتنوعها تُبنى صلابة المواقف وتميز وجدة الأفكار، وتشتعل ثورة «1919» بقيادة سعد زغلول بتأييد ودعم وحب الشعب، وينطلق المصريون المردة من النجوع والقرى والمدن والمحافظات فى يوم «8 مارس 1919» ليهتفوا: «الاستقلال التام أو الموت الزؤام، سعد سعد يحيا سعد، تحيا مصر حرة مستقلة، عاش الهلال مع الصليب» ويغنون: «بلادى بلادى.. لكِ حبى وفؤادى».

وللحديث بقية فى الأسبوع القادم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة بين التنوير والتدمير الثقافة بين التنوير والتدمير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:59 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تكشف تطورات فيلمها الجديد مع عمرو دياب
  مصر اليوم - نانسي عجرم تكشف تطورات فيلمها الجديد مع عمرو دياب

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 00:24 2023 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يهدد بتصعيد أزمة الشحات والشيبي للفيفا

GMT 06:06 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

شاومي تعلن عن حدث في نيويورك بداية الشهر القادم

GMT 23:00 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 03:05 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أسعار الخضراوات في الأسواق المصرية الجمعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon