بقلم - طارق عباس
العـلم أهم مداخل الإبداع، وشرط من شروط بناء الحضارة الإنسانية وربط الأصالة بالمعاصرة، وقد رافق العلم الإنسان منذ أن تفتح وعيه وارتقى من المستويات البدائية إلى أن بلغ آفاقاً عظيمةً فى النهضة والتطور والثورة فى التكنولوجيا، التى واكبت التغيرات فى نمط حياة البشر؛ باعتبار المعرفة هى المحرك الرئيسى للنمو؛ خصوصاً فى الوقت الذى نعيش فيه عصر السرعة والعولمة وتطور منظومة الاتصالات العالمية.
لأن الثروة البشرية هى أهم أدوات الإنسان فى إحداث التغيير؛ فقد أدرك رواد النهضة العرب ــ بدايةً من عصر محمد على ــ ضرورة إتاحة الفرصة للمرأة؛ كى تتعلم وتتحرر من أميتها؛ لكسب معركة الاعتراف بمكانتها وحقوقها؛ لذلك اُتُّخِذَت خطوات من شأنها إعادة صياغة حياة المرأة العربية وتأهيلها بشكل يضعها فى مصاف المشاركين فى التنمية، فتأسست فى عام 1832 أول مدرسة حكومية فى مصر؛ لتدريب الفتيات على تقديم الخدمات الطبية، ومن هذه المدرسة تخرجت «جليلة تمرهان» أول كاتبة صحفية فى العالم العربى، وكانت تنشر مقالاتها فى مجلة «يعسوب الطب» أقدم مجلة فى الشرق الأوسط، وكانت تُطبَع فى «المطبعة الأميرية ببولاق»، وفى عام 1834 أُنشِئَت أول مدرسة للفتيات فى لبنان، وفى عام 1873 تأسست المدرسة السيوفية أول مدرسة ابـتـدائـيـة حكومية فى مصر، وبعدها مدرسة السنية الثانوية للبنات وكانت سنة 1889، ثم مدرسة المسلمات فى تونس سنة 1900، فمدرسة بير زيت بفلسطين سنة 1924 والتى تحولت إلى جامعة بير زيت فيما بعد.
بمرور الوقت يزداد عدد المدارس ويزداد عدد الراغبات فى التعلم، وفى سباق مع الزمن نجحت المرأة فى أن تبنى مع الممارسات الإبداعية العلمية جسوراً عظيمةً متينةً، شهدت بأن المرأة العربية قادرة على إثراء البلدان العربية بالعلم وبنور العلم، وأن الإبداع لا يمكن ولن يمكن أن يكون فى يوم من الأيام ميزة أو حكراً لجنس بشرى بعينه أو بنوع اجتماعى دون آخر؛ لذلك كان الاهتمام بالتعليم؛ لأنه ــ بلا شك ــ سيسهم فى تغيير أوضاع الـمـرأة وسـيـضمن لها مــســتـــقــبـــلاً أفــضــــل.
يتوقف مدى إسهام المرأة فى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على ما حصلت عليه من تثقيف وتأهيل؛ حيث يزيد التعليم والتدريب من إمكانية المرأة على العمل ورفع مستوى توقعاتها فى الحياة؛ لذلك نجد أن معدلات تعليم البنات فى دول العالم الإسلامى قفزت قفزةً كبيرةً، اختلفت بحسب المناطق وبحسب فئات المجتمع، وحدث تحسن نوعى فى المستوى العلمى للمرأة العربية، نقلها من مجرد راعية لمواهب الآخرين إلى إطلاق مواهبها وجعلها فى العقود الأخيرة تحقق ما لم تحققه مثيلتها من نساء الغرب فى عدة قرون، وتبرع براعةً غير مسبوقة فى ممارسة العلم والـتـكـنولـوجـيـا.
فى الإمارات العربية مثلاً تحتل الـمـرأة هـنـاك الـمرتبة الأولى عـربـيـاً وعالمياً فى نسبة الملتحقات بدراسة العلوم والتكنولوجيا فى الجامعات والمعاهد، وبلغت نسبة النساء الحاصلات على درجة الدكتوراه فى المملكة العربية السعودية حوالى 79%، أما فى جامعة دمشق بسوريا فتبلغ النساء الحاصلات على درجة الدكتوراا قياساً إلى الرجال نسبة قدرها 6 – 2، والـمـاجـسـتير فى الهندسـة الـمـعـمـارية نسبة 5 – 2، وفـى تونس ارتفع عدد الطالبات المتخصصات فى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من 28% من إجمالى عدد الطلبة عام 1999 إلى حوالى 40% فى عام 2004، وفى الكويت يبلغ عدد الطالبات فى التعليم العالى حوالى ثلاثة أضعاف الطلبة، وتتفوق الفتيات فى بلدان عربية عدة على الفتيان فى تخصصات علمية محددة مثل الصحة العامة فى الجامعة اللبنانية والكيمياء فى العراق والصيدلة فى سوريا، ويكثر إقبال الفتيات فى البلدان العربية على علوم الصحة والبيولوجى، فى حين يقل عدد الملتحقات بعلوم الفيزياء أو الــرياضيات أو الهندسة، وهذه ظاهرة عالمية تتشارك فيها جميع الــبــلدان الأوروبية والولايات المتحدة.
بالطبع لا أقصد بذلك الإحصاء إثبات الـمـقـدرة لـحـواء دون آدم، وإنما للتأكيد على أن حواء قــادرة على الإبداع مثله، وأنها لا تزال تستحق جهودا كبيرة من كافة المؤسسات العربية للارتقاء بمستواها العلمى والقيمى وتحريرها ممن لا يعرفون قيمة إسهاماتها فى تغيير نمط الحياة وحصاد أجمل ما فيها من إنجازات
نقلا عن المصري اليوم القاهريه