توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التغير والتحول... أميركا ودول الخليج

  مصر اليوم -

التغير والتحول أميركا ودول الخليج

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

التغير طبيعة الحياة والبشر وقد تغيرت أميركا وتغير حلفاؤها... واختلال موازين القوى الدولية والإقليمية دعا الدول الحية لتتبع مصالحها ورعاية شعوبها وبناء مستقبلها


التغير والتحول هما طبيعة البشر وسنة الحياة ومنطق التاريخ، ليس منه بدٌ ولا عنه محيد، ومدعو الثبات هم في الأصل واهمون قبل أي تصنيف آخر، لأن الثبات جمودٌ والثابت من البشر جمادٌ، وإذا ثبت الماء أسن فكيف بالأفكار والعقول والسياسات؟! الثبات في العلم جهلٌ، وفي المعرفة تخلفٌ، وفي الحضارة تقهقرٌ، والثابتون يخرجون من العلم والمعرفة والحضارة إلى ماضٍ متوهمٍ ينسجه الوهم فيستجرونه ويمجدونه ويجعلونه نموذجاً مكتملاً تجب العودة إليه على حساب بناء الحاضر ومواجهة تحدياته، فضلاً على استشراف المستقبل وبناء الطموح وصناعة الأحلام بالفكر والفعل، بالرؤى والتخطيط وبناء الاستراتيجيات.
مؤرخ الأفكار وراصد السياسات ومتابع الأحداث يكتشف تغييراتٍ كبرى وتحولاتٍ إقليمية ودولية ضخمة كانت تتراكم على مدى عقودٍ من الزمن وما يشهده العالم اليوم محيرٌ لمن يتعامل مع المعطيات المتغيرة على أنها ثوابتُ، وهو بالمقابل مثيرٌ لمن يراه حراكاً طبيعياً وتطوراً جديراً بالرصد والتحليل، وأكثر من هذا قابلاً للصناعة والصياغة والتأثير، وهو تحديداً ما تصنعه المملكة العربية السعودية على كافة المستويات التي تعبر عنها «رؤية 2030» وبرامجها المساندة وتصريحات عرابها ولي العهد السعودي، التي تشكل مخارج حضارية ذات نظرة ثاقبة لتطور الهوية بكل عناصرها للسعودية والعروبة والإسلام.
التباعد والتقارب في السياسات بين الحلفاء أمران طبيعيان، يحدثان على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، والعلاقات مع الولايات المتحدة كانت طبيعتها التحالف لعقودٍ طويلة سجلت خلالها نجاحاتٍ كبرى، من أهمها هزيمة الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية في صراعاتٍ فلسفية ودينية وسياسية، بل وعسكرية يسهل استحضار تفاصيلها المتعددة والمتشابكة، ولكن التغير سيد الأحكام، وطبيعة الحياة والبشر، وقد تغيرت أميركا وتغير حلفاؤها فتغيرت طبيعة تلك العلاقات، واختلال موازين القوى الدولية والإقليمية دعا الدول الحية لتبصر مواقع أقدامها وتتبع مصالحها وغاياتها ورعاية شعوبها وبناء مستقبلها.
المستقبل يتجه نحو منظوماتٍ من تحالفاتٍ إقليمية وتكتلاتٍ سياسية واقتصادية فاعلة ومؤثرة بعدما أثقلت بعض التيارات الآيديولوجية والسياسية الغربية كاهل «النظام الدولي» بمفاهيم وأفكار ومبادئ أضرت بمصالح العديد من الثقافات والأمم والشعوب والدول، واستنزفت المؤسسات الدولية ومصداقيتها في العديد من الأزمات والملفات والقضايا.
من دون تزيدٍ من جهة أو إرجافٍ من جهة أخرى، سعت السعودية والإمارات لبناء اتجاه دولي متوازن في علاقاته بين الغرب والشرق، يشبه ولا يطابق اتجاه «دول عدم الانحياز» إبان الحرب العالمية الباردة، وأحد أهم الفوارق بين النموذجين يكمن في أن ذلك الاتجاه القديم كان موقفاً سلبياً «محايداً»، بينما الاتجاه المعاصر هو موقف إيجابي عملي تحتاجه الكثير من دول العالم وتفتش عنه ليمنحها مخرجاً من الضغوطات غير المنطقية وغير العقلانية التي تمارسها أميركا والدول الغربية ضد الكثير من دول العالم من دون مراعاة لمصالح تلك الدول وطموحاتها، وثقافتها وحضارتها، وبأولوياتٍ سياسية وفكرية تنتمي للسياق الحضاري الغربي الخاص، ولا يمكن أن تشكل حلولاً لكل الأمم والدول والشعوب.
منذ ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» 2011 وبعده الاتفاق النووي مع إيران 2015، اكتشفت الدول العربية الحية والقوية أن أميركا والدول الغربية ليست جادة في تحالفها معها ومتناقضة في مبادئها وتكيل بأكثر من مكيالٍ، وتطور ذلك إلى مواقف وسياساتٍ لا يمكن وصفها بالتحالف والصداقة، وهي أقرب إلى العدائية، وتغير الحلفاء القدماء الكبار أوجب تغيراً لدى دول المنطقة، وهو ما يفسر كل المواقف والسياسات تجاه الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط وحول العالم بأسره.
منظومة القوى الدولية والإقليمية تغيرت، فأصبحت العلاقات تأخذ عبر سنواتٍ ليست بالقصيرة طابعاً أقوى مع الدولتين العظميين في العالم روسيا والصين، وأصبحت إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة وحليفاً في منظومة الأمن الإقليمي لدى العديد من الدول العربية مثل مصر والأردن وفلسطين، ومثل قطر والإمارات والبحرين والمغرب، وحليفاً محتملاً لدى السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى، وتحويل الاحتمال إلى موقف رهنٌ بتطور الموقف الإسرائيلي، وفي هذا كله تطورٌ لافتٌ له تأثيراته العميقة والمهمة إقليمياً ودولياً.
سياسات «الدلال الغربي» للنظام الإيراني والصمت الذي يشبه الدعم لسياساته التوسعية في الدول العربية، وصواريخه الباليستية التي تضرب السعودية والإمارات، وتهدد الملاحة وطرق التجارة الدولية بلا رادعٍ وبدون موقفٍ دوليٍ، ودعم «استقرار الفوضى» في الدول العربية، والإصرار على «إضعاف» الدول العربية عسكرياً... كلها وغيرها كان دافعاً مهماً لإعادة ترتيب العلاقات الدولية وجعل التوازن فيها هدفاً وغاية مصلحية بحتة لا غنى عنها.
عبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بصراحة، عن هذا التباعد بين الحلفاء بعد زيارته الأخيرة للسعودية والإمارات بشكل واضحٍ، والعلاقات المتوترة مع الإدارة الأميركية الحالية أوضح من أن تشرح، ويمكن للمراقب والمحلل أن يرصدها بوضوحٍ. ومن دون المواقف القوية والسياسات الواضحة لم يكن ممكناً إيجاد حلولٍ عملية للأزمات الكبرى في المنطقة، مثل الأزمة اليمنية التي شهدت اختراقاً حقيقياً وإعادة لترتيب كامل المشهد اليمني لم يكن ممكناً مثله من قبل.
الحرب الروسية الأوكرانية هي النموذج الذي أظهر الخلافات بين الحلفاء إلى السطح وليست هي السبب فيها، وهذا فارقٌ مهمٌ، وأسعار الطاقة في العالم ليست رهناً لنزوات أي دولة في العالم، وإنْ كانت عظمى وليست خاضعة لابتزاز أو ضغوط أي إدارة سياسية غربية كانت أم شرقية، بل هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح الدول المنتجة في «أوبك» و«أوبك +»، وعلى المتضرر إعادة النظر ومراجعة السياسات والاستراتيجيات والمواقف، وهو ما بدأ فعلياً وعملياً في تصريحات وسياسات معلنة أمام العالم.
في محاضرة لافتة للدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، ألقاها في «مجلس محمد بن زايد»، قال إن «الهيمنة الغربية على النظام الدولي في أيامها الأخيرة»، وإن «النظام الدولي الذي يعتمد على الدولار عمره 50 أو 60 أو 70 سنة، لذلك فالتغيير هو طبيعة الحياة»، وهو حديثٌ مليءٌ بالواقعية والعقلانية.
أخيراً، فصراعات الأفكار تؤثر على صراعات السياسة، والسياسات المنحازة وغير المنطقية تؤدي إلى رد فعلٍ يناسب حجمها وتأثيرها، والسعودية والإمارات تكسبان في الملفات كافة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التغير والتحول أميركا ودول الخليج التغير والتحول أميركا ودول الخليج



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon